مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 27/09/2013

خطبة الدكتور توفيق: من مقاصد عبادة الحج


من مقاصد عبادة الحج
د. محمد توفيق رمضان البوطي
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:) وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(
ويقول سبحانه:) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وعلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(
ويقول جلَّ شأنه: )وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي(
ويقول جلَّ شأنه: )الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التقوى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ(
ويقول سبحانه: )وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(
روى الشيخان عن ابن عمرy عن النبي r أنه قال : « بني الإسلام على خمس ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان »
وأخرج الشيخان أيضاً عن أبي هريرة tعن النبيr أنه قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»
أيها المسلمون:
يستعد الناس في هذه الأيام ويحزمون حقائبهم لتلبية دعوة الله تعالى إلى بيته، والكثير منهم قد ادخر ماله سنوات ليتمكن من تحقيق هذا الحلم، كل البلاد يستعد أهلها إلا سوريا، ولا أتذكر في تاريخنا المعاصر أو قبله أن دولة ما -أياً كانت - حيل بين مواطنيها وبين الحج إلى بيت الله الحرام غير سوريا لهاتين السنتين الماضيتين، ألا يخشى الذين يحولون بين أبناء هذا البلد وبين الحج إلى بيت الله الحرام أن يشملهم قوله تعالى: )وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ( إلى الله نشكوهم، وخير لنا أن نشكو إلى الله ظلمهم للأمة، سيَّسوا الدين وجعلوا الدين مطية لأحقادهم السياسية، وما علاقة أداء نسك، وهم يدَّعون أنهم خدم بيت الله الحرام، بخلاف سياسي بينهم وبين الدولة، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا، لا ندري لعل الخير في ذلك.
أيها المسلمون:
لقد فرض الله عزَّ وجل الحج على عباده مرة واحدة في العمر، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على خطورة هذا الركن من أركان ديننا، الصلاة فرضت في كل يوم خمس مرات، والصوم فرض في كل سنة شهراً، والزكاة فرضت في كل عام أو على كل دورة إنتاجية في المواد النامية، إلا الحج فقد فرض في العمر مرة واحدة – أقول فرض بغض النظر عن التنفل – وذلك يدل على أن حج المسلم مرة واحدة في العمر يحقق الهدف التربوي والمعنى الضروري في تكوين شخصية الإنسان المسلم وتكاملها بالنظر إلى بقية الأركان.
أشواق الناس تلتهب لزيارة بيت الله الحرام، إلا أن ركنية الحج بالذات فرضت مرة واحدة في العمر، وإن كان أشواقنا تتأجج لزيارة بيت الله الحرام فهو أمر يحمل دلالة محبة الله عزَّ وجل ومحبة بيته لأنه نُسب إليه، ليست المسألة متعلقة بآثار نريد أن نزورها أو بحجارة نريد أن نطلع عليها، ولكن تلك الحجارة تشرفت بانتسابها لله عزَّ وجل وأنها بيته الحرام، وبأنها رمز الأمان جعلها رمز للسلام رمز للطمأنينة )أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا(، هذا المعنى هو الذي يجعل قلوبنا تتشوق لزيارة البيت الحرام والصلاة في أعتاب بيته سبحانه وتعالى .
هذه العبادة لها أثر عظيم في نفس الإنسان المسلم بحيث إذا أداها على النحو الذي أمر الله عزَّ وجل به رجع المسلم كيوم ولدته أمه، وكأنها ولادة جديدة في حياته، أريد أن أقف على بعض معاني الحج، لأنه قد لا يتسع المقام لذكرها جميعاً.
هي أيها المسلمون عبادة ، ولكنها تمثل دورة تربوية مهمة في حياة الإنسان المسلم، مرة واحدة في العمر، ولكنها تتضمن أموراً كثيرا، هي ذات تكلفة مادية، لأنك تسافر إلى ذلك البلد، وتتحمل مشاق كثيرة جسدية ونفسية، هي: غربة، هي سفر، هي نفقة، ثم في هذه العبادة في الذات يتجلى معنى العبودية المطلقة التي لا تحمل غير معنى واحد: لبيك اللهم لبيك، كما تأمرني أنا أفعل، وبماذا كلفتَني أنا طوعُ أمرك )وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق( أطوف بالبيت العتيق، أبدأ من الحجر الأسود، وأنتهي إلى النقطة التي بدأت منها، سبعة أشواط، وسبعة أشواط أسعى مابين الصفا والمروة، وهما جبلان صغيران كانا قرب الكعبة المشرفة، أمرني ربنا تبارك وتعالى بالسعي بين الصفا والمروة: أسعى بين الصفا والمروة ، وماذا في ذلك ؟ لبيك يا رب أنا طوع أمرك أنا رهن تكليفك، أنا ساجد راكع خاضع لأمرك.
الحج عرفة... يتجه الحجاج إلى عرفة فأتجه معهم إلى عرفة، وماذا في عرفة؟ هل هي منتجع سياحي؟ أم منتزه ؟ أم متجر؟! ليس في عرفة إلا شيء واحد: رفع الأكف إلى الله والبكاء بين يدي الله والتضرع إليه سبحانه وتعالى، ثم يفيضون من عرفة إلى مزدلفة، وماذا في مزدلفة ؟ مكان قفر، ليس فيه شيء إلا أن فيه المشعر الحرام الذي أمرنا بال


تشغيل

صوتي