الدكتور محمد توفيق رمضان
الخطيب:
التاريخ: 05/07/2013
خطبة للدكتور توفيق: اغتنموا رمضان
خطبة الجمعة للدكتور توفيق رمضان البوطي
بتاريخ 05/07/2013
بعنوان اغتنموا رمضان
يا أيها المسلمون يقول الله جل شأنه :(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
وقال قبل ذلك : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
روى مسلم عن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: (إِذا جاء رمضان فتِّحتْ أبواب الجنَّة وغلّقت أبواب النَّار وصفِّدت الشَّياطين)، وقال أيضاً: (فرض اللَّه عزَّ وجلَّ عليكم شهر رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إِيمانًا واحتساباً خرج من ذُّنوبه كيوم ولدته أُمه).
أيها المسلمون :
شهر رمضان يحل بنا كل سنة ثلاثين يوما أو نحوه ، هذا الشهر العظيم له منزلة كريمة فينبغي أن نستعد لحسن استقباله، ونكون على مستوى ضيافته. هذا الشهر فيه نزل القرآن (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر) )إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ)ونزول القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر بمعنى نزوله من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة إلى السماء الدنيا، ومن ثمة كان يتنزل به سيدنا جبريل نجوماً، أي آيات بحسب مناسباتها ومقتضيات الحكمة الإلهية .
شهر رمضان شهر الانتصارات، شهر الفرج، شهر الرحمة، شهر الأُعطية شهر فيه انتصر المسلمون انتصاراً مذهلاً، قلة قليلة هزمت طغيان قريش ثلاث مئة من المسلمين، قلة في العدد والعُدة، خرجوا لاسترداد بعض حقوقهم المادية من قافلة قريش، فبدلا من أن يواجهوا تلك القافلة التي كانت فيها أموالهم المغتصبة من قبلعتات قريش، واجهوا جيشاً مجهزاً معداً يبلغ ثلاثة أضعافهم ويزيد وانتصر المسلمون.
شهر رمضان شهد انتصار المسلمين في فتح مكة، إذ استعاد المسلمون مكة وقد طهرت من أوضار الشرك وطغيان المشركين.
وشهر رمضان نرجو الله أن يكون شهر انتصاراً للأمن على الخوف، وللوحدة على التمزق، وللخير على الشر، ولسلامة الأمة والوطن على الخطر الذي يهدد الأمة والوطن.
أننا لنرجوالله عزوجل أن يعيد لهذه الأمة أمنها وأمانها، وأن يعيد إليها وحدتها وتماسكها وأن يعيد لها سلامتها من الأخطار التي أقلقت ليل الأمة ونهارها، أسأل الله عز وجل أن يجدد لنا من بركات شهر رمضان الذي يحل بنا خلال الأيام القادمة القريبة ما يجعل هذه الأمة تهنأ بعد ليل طويل تمادى من الابتلاءات والمحنة والفزع والخوف وحالة التمزق والخلاف والنزاع والشقاق بين أبناء الأمة.
أيها المسلمون:
في هذا الشهر يتجلى الله سبحانه وتعالى بالرحمة إذا تعرضوا لهذه الرحمة وكما قال رسول الله r :(كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا يا رسول اللهومن يأبى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)
وشهر رمضان فرصة للصلح مع الله، إذا اصطلحنا مع الله اقتضت مصالحتنا مع الله مصالحتنا مع بعضنا، وزوال حالة الجفاء والوحشة والكراهية والصراع البيني مما بيننا.
شهر رمضان تتهذب فيه النفوس قال:(تغلق فيه أبواب النيران تفتح فيه أبواب الجنة) كناية عن الرحمة الإلهية التي تفيض على العباد الذين يتعرضون لها ويطمعون للوصل إليها.
في شهر رمضان قال: (تصفد فيه الشياطين) بمعنى أن سلطة الشيطان على إغواء الإنسان تضعف، ولكن النفس الأمارة بالسوء إذا استسلمنا لها هي أشد من الشيطان، ولذلك فإن الصوم صيام هذا الشهر وقيامه على النحو الذي يحقق تهذيب النفوس. لاحظوا كيف قال ربنا تبارك وتعالى عن الصوم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(
إن الثمرة المأمولة من التمسك بعبادة هذا الشهر هي التقوى، أن نكتسب صفة التقوى فإذا كنت أمسك عن المفطرات من طعام وشراب ومعاشرة زوجية مما أباح الله عز وجل، فأجدر بي أن أمسك عن الاعتداء على عباد الله، باللسان أو اليد الاعتداء على أموال الناس، الاعتداء على دماء الناس الاعتداء على أعراض الناس،الغيبة النميمة والكذب السب الشتم، كل هذا هو أشد تحريماً من الشراب والطعام تحريما في هذا الشهر وفي سائر أيام السنة.
إذا كنا نمسك عن المفطرات التي هي في عامة أيام السنة مباحة فأولى أن نمسك عما حرم الله تعالى في جميع أيام السنة، من غيبة ونميمة وأكل أموال الناس بالباطل وإيذاءٍ باللسان أو إيذاءٍ باليد، أو أي ظلم أو بغي أو عدوان .
شهر رمضانشهر المحبة، شهر التراحم، وعهدُنا بأبناء بلدنا في شهر رمضان أنهم يتباذلون معاني المودة والرحمة من خلال الصدقات، من خلال الزكاة من خلال تفطير الصائمين من خلال الإحسان على الأسر الفقيرة، هذا الفقر المصطنع الذي فرضته فتنة طافت ببلادنا وطال طوافها ببلادنا، جعلت واجباًعلى كل فرد مسلم منا أن يبذل مُستطاعه، أن يقاسم أخيه الفقير رغيفه الذي يأكله وإناءه الذي يأكله وثوبه الذي يلبسه، نحن بحاجة شديدة ملحة لأن نقتسم النعمة، فإذا قلَّت فبالاقتسام تكثر ويباركها الله عز وجل، وطعام الواحد يكفي لاثنين، ولكنه لن يكفي إلا إذا فاضت قلوبنا بالرحمة بالمحبة بالتعاطف الذي هو سمة المؤمنين وطبيعة مجتمعنا هو التراحم والتوادد، (مقل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهممثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)
يجب أن نفوِّت على الشيطان كيده ومكرنا بنا المتمثل في إثارة النزاع والشقاق ألم يقل الله تعالى:(إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْـزَغُ بَيْنَهُمْ)وليس بالضرورة أن يكون الشيطان شيطان الجن، شيطان الإنس أقذر وأخطر من شياطين الجن، بل لعل شياطين الجن في هذا الشهر يتمتعون بإجازة لهم، بينما شياطين الإنس ينشطون في هذا الشهر كما لا ينشطون في غيره، فلابد أن نفوت الفرصة على شياطين الإنس والجن بأن لا ندع فرصة لإثارة الخلاف والنزاع والشقاق بين أبناء الأمة بإثارة الأحقاد والشقاق والنزاع بحجة أو بأخرى نحن مكلفون بأن نتماسك على مستوى البلدة مسلمين وغير مسلمين، فكيف بنا أن نكون مسلمين: الجار مع جاره والأخ مع أخيه والزوج مع زوجته، إن الفتنة التي طافت في بلادنا مزقت الأسرة والمجتمع وذلك لأننا استسلمنا للشيطان،إن الشيطان ينزغ بينكم،لا ينبغي أن ندع أعداء الإنسان أن يمزقوا مجتمعنا ويدمروا سعادة أبناء مجتمعنا .
أيها المسلمون :
مسألة لابد أن أتحدث عنها أو مسألتين، الأولى هذه المشكلة التي تتجدد كل سنة وهي مشكلة إثبات الشهر، لاداعي لأن تكون مشكلة وليست هي مشكلة ولكن يسمونها مشكلة، هناك أحكام وضوابط لهذه المسألة والخلافات المذهبية محدودة جداً في هذه المسألة، إلا أنه أراد البعض تسييس قضية إثبات الشهر كما سيسوا الدين كله، وجعلوا من الدين مطية لسياستهم، جعلوا من الدين مطية لأغراضهم السياسية؛فيثبتون ولادة الشهر بحسب رياح وجهة النظر السياسية، ولا يثبتون أيضاً بحسب رياح وجهة النظر السياسية. هذا المنطق ساقط من الاعتبار في فقهنا الإسلامي.فنحن عندنا لإثبات الشهر كما قال سبحانه وتعالى:(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)وشهود الشهر أي حضور المرء ووجوده حيث يثبت، والنبيr يقول:(صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)
أيها المسلمون :
هناك ولادتان للشهر ولادة فلكية هي حالة الافتراق مابين الشمس والقمرحيث تتم ولادة الشهر بذلك. وهي لحظة كونية واحدة لا تختلف بين بلد وآخر، إلا أن ثمة ولادة شرعية عبر عنها النبي r: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)
الشهر لايمكن أن يزيد عن ثلاثين ولا ينقص عن تسعة وعشرين، أعني الشهر القمري، فقضية الحساب هنا ليست موضوع اعتبار إن بين الولادة الفلكية والولادة الشرعية عشرين ساعة أو ثمانية عشر ساعة، ومن ثم فإن احتمال رؤية الهلال تختلف من بلد لآخر بعض الشيء، ولذلك فإنه ليس هناك حرج من أن يثبت في هذا البلد ولا يثبت في البلد الآخر، وفق قواعد فلكية معروفة، وهناك مراكزعالمية تبين مدى إمكانية الرؤية وعدم إمكانيتها بالنسبة للبلاد وهي معروفة من الآن بالنسبة لهذه المسألة. قضايا الفلك والحسابات الفلكية يستفاد منها في النفي لا في الإثبات، فإذا استحالت الرؤية رددنا كلام من يدعي الرؤية، كما لو قال أحدهم اليوم الشمس تشرق في الرابعةو32 دقيقة لكن سبحان الله اليوم أشرقت وخمسة عشر دقيقة، هل يصدق أحد منكم ذلك قال الله تعالى:(الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ)، وقال: )كُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ(، ليس هناك فوضى في مسألة النظام الكوني وكذلك بالنسبة للقمر إمكانية الرؤية تتبع طبيعة الأقاليم والمناطق، إذا كان هناك خلاف فقهي يمكن أن نتجاوزه بحكم الحاكم، فإذا قضى الحاكم بالأخذ بأحد المذهبين كنا جميعاً وراءه، حكم الحاكم يحسم الخلاف، والحاكم ولي الأمر أياً كان أي القاضي الشرعي والمسألة موكولة إلى القضاء الشرعي، فلا تجعلوا من هذه المسألة مثار إشكال بالنسبة لنا.
المسألة الثانية: أختصر في أحكام الصوم اختصاراً شديداً فأقول: الصوم يشترط فيه تبييت النية لكل ليلة مادام صوم فريضة، ومعنى التبييت أي ما قبل الفجر، أي من المغرب إلى الفجر، إذا ربطت الساعة للسحور أو قلت لجارك أيقظني للسحور أو أعددت طعامك للسحور فقد نويت الصوم، فالنية هي العزم على الصيام وليست عبارة عن كلمة تقال.والنيةموقعها القلب.
الشرط الثاني: الإمساك عن المفطرات التي هي طعام أم شراب أو معاشرة زوجية، أو أي تعمد لاستنزال المني، بمداعبة أو نحوها. كل هذه الأشياء مفطرة يتجنبها الصائم ويبتعد عنها، وضبطها الفقهاء فقالوا: الامتناع عن دخول عينٍ جوفاً من تجاويف الجسم عبر منفذ مفتوح، فالإبرة لا تفطر، وتفاصيل الأحكام أذكرها في دروس الصوم إن شاء الله تعالى.
هذان أمران أردت أن أؤكد عليهما، أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين ويلهمنا الرشد، وأن يجعل هذا الشهر القادم شهر فرج ورحمة ونصر ووحدة وألفة ومحبة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم
بتاريخ 05/07/2013
بعنوان اغتنموا رمضان
يا أيها المسلمون يقول الله جل شأنه :(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
وقال قبل ذلك : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
روى مسلم عن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: (إِذا جاء رمضان فتِّحتْ أبواب الجنَّة وغلّقت أبواب النَّار وصفِّدت الشَّياطين)، وقال أيضاً: (فرض اللَّه عزَّ وجلَّ عليكم شهر رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إِيمانًا واحتساباً خرج من ذُّنوبه كيوم ولدته أُمه).
أيها المسلمون :
شهر رمضان يحل بنا كل سنة ثلاثين يوما أو نحوه ، هذا الشهر العظيم له منزلة كريمة فينبغي أن نستعد لحسن استقباله، ونكون على مستوى ضيافته. هذا الشهر فيه نزل القرآن (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر) )إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ)ونزول القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر بمعنى نزوله من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة إلى السماء الدنيا، ومن ثمة كان يتنزل به سيدنا جبريل نجوماً، أي آيات بحسب مناسباتها ومقتضيات الحكمة الإلهية .
شهر رمضان شهر الانتصارات، شهر الفرج، شهر الرحمة، شهر الأُعطية شهر فيه انتصر المسلمون انتصاراً مذهلاً، قلة قليلة هزمت طغيان قريش ثلاث مئة من المسلمين، قلة في العدد والعُدة، خرجوا لاسترداد بعض حقوقهم المادية من قافلة قريش، فبدلا من أن يواجهوا تلك القافلة التي كانت فيها أموالهم المغتصبة من قبلعتات قريش، واجهوا جيشاً مجهزاً معداً يبلغ ثلاثة أضعافهم ويزيد وانتصر المسلمون.
شهر رمضان شهد انتصار المسلمين في فتح مكة، إذ استعاد المسلمون مكة وقد طهرت من أوضار الشرك وطغيان المشركين.
وشهر رمضان نرجو الله أن يكون شهر انتصاراً للأمن على الخوف، وللوحدة على التمزق، وللخير على الشر، ولسلامة الأمة والوطن على الخطر الذي يهدد الأمة والوطن.
أننا لنرجوالله عزوجل أن يعيد لهذه الأمة أمنها وأمانها، وأن يعيد إليها وحدتها وتماسكها وأن يعيد لها سلامتها من الأخطار التي أقلقت ليل الأمة ونهارها، أسأل الله عز وجل أن يجدد لنا من بركات شهر رمضان الذي يحل بنا خلال الأيام القادمة القريبة ما يجعل هذه الأمة تهنأ بعد ليل طويل تمادى من الابتلاءات والمحنة والفزع والخوف وحالة التمزق والخلاف والنزاع والشقاق بين أبناء الأمة.
أيها المسلمون:
في هذا الشهر يتجلى الله سبحانه وتعالى بالرحمة إذا تعرضوا لهذه الرحمة وكما قال رسول الله r :(كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا يا رسول اللهومن يأبى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)
وشهر رمضان فرصة للصلح مع الله، إذا اصطلحنا مع الله اقتضت مصالحتنا مع الله مصالحتنا مع بعضنا، وزوال حالة الجفاء والوحشة والكراهية والصراع البيني مما بيننا.
شهر رمضان تتهذب فيه النفوس قال:(تغلق فيه أبواب النيران تفتح فيه أبواب الجنة) كناية عن الرحمة الإلهية التي تفيض على العباد الذين يتعرضون لها ويطمعون للوصل إليها.
في شهر رمضان قال: (تصفد فيه الشياطين) بمعنى أن سلطة الشيطان على إغواء الإنسان تضعف، ولكن النفس الأمارة بالسوء إذا استسلمنا لها هي أشد من الشيطان، ولذلك فإن الصوم صيام هذا الشهر وقيامه على النحو الذي يحقق تهذيب النفوس. لاحظوا كيف قال ربنا تبارك وتعالى عن الصوم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(
إن الثمرة المأمولة من التمسك بعبادة هذا الشهر هي التقوى، أن نكتسب صفة التقوى فإذا كنت أمسك عن المفطرات من طعام وشراب ومعاشرة زوجية مما أباح الله عز وجل، فأجدر بي أن أمسك عن الاعتداء على عباد الله، باللسان أو اليد الاعتداء على أموال الناس، الاعتداء على دماء الناس الاعتداء على أعراض الناس،الغيبة النميمة والكذب السب الشتم، كل هذا هو أشد تحريماً من الشراب والطعام تحريما في هذا الشهر وفي سائر أيام السنة.
إذا كنا نمسك عن المفطرات التي هي في عامة أيام السنة مباحة فأولى أن نمسك عما حرم الله تعالى في جميع أيام السنة، من غيبة ونميمة وأكل أموال الناس بالباطل وإيذاءٍ باللسان أو إيذاءٍ باليد، أو أي ظلم أو بغي أو عدوان .
شهر رمضانشهر المحبة، شهر التراحم، وعهدُنا بأبناء بلدنا في شهر رمضان أنهم يتباذلون معاني المودة والرحمة من خلال الصدقات، من خلال الزكاة من خلال تفطير الصائمين من خلال الإحسان على الأسر الفقيرة، هذا الفقر المصطنع الذي فرضته فتنة طافت ببلادنا وطال طوافها ببلادنا، جعلت واجباًعلى كل فرد مسلم منا أن يبذل مُستطاعه، أن يقاسم أخيه الفقير رغيفه الذي يأكله وإناءه الذي يأكله وثوبه الذي يلبسه، نحن بحاجة شديدة ملحة لأن نقتسم النعمة، فإذا قلَّت فبالاقتسام تكثر ويباركها الله عز وجل، وطعام الواحد يكفي لاثنين، ولكنه لن يكفي إلا إذا فاضت قلوبنا بالرحمة بالمحبة بالتعاطف الذي هو سمة المؤمنين وطبيعة مجتمعنا هو التراحم والتوادد، (مقل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهممثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)
يجب أن نفوِّت على الشيطان كيده ومكرنا بنا المتمثل في إثارة النزاع والشقاق ألم يقل الله تعالى:(إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْـزَغُ بَيْنَهُمْ)وليس بالضرورة أن يكون الشيطان شيطان الجن، شيطان الإنس أقذر وأخطر من شياطين الجن، بل لعل شياطين الجن في هذا الشهر يتمتعون بإجازة لهم، بينما شياطين الإنس ينشطون في هذا الشهر كما لا ينشطون في غيره، فلابد أن نفوت الفرصة على شياطين الإنس والجن بأن لا ندع فرصة لإثارة الخلاف والنزاع والشقاق بين أبناء الأمة بإثارة الأحقاد والشقاق والنزاع بحجة أو بأخرى نحن مكلفون بأن نتماسك على مستوى البلدة مسلمين وغير مسلمين، فكيف بنا أن نكون مسلمين: الجار مع جاره والأخ مع أخيه والزوج مع زوجته، إن الفتنة التي طافت في بلادنا مزقت الأسرة والمجتمع وذلك لأننا استسلمنا للشيطان،إن الشيطان ينزغ بينكم،لا ينبغي أن ندع أعداء الإنسان أن يمزقوا مجتمعنا ويدمروا سعادة أبناء مجتمعنا .
أيها المسلمون :
مسألة لابد أن أتحدث عنها أو مسألتين، الأولى هذه المشكلة التي تتجدد كل سنة وهي مشكلة إثبات الشهر، لاداعي لأن تكون مشكلة وليست هي مشكلة ولكن يسمونها مشكلة، هناك أحكام وضوابط لهذه المسألة والخلافات المذهبية محدودة جداً في هذه المسألة، إلا أنه أراد البعض تسييس قضية إثبات الشهر كما سيسوا الدين كله، وجعلوا من الدين مطية لسياستهم، جعلوا من الدين مطية لأغراضهم السياسية؛فيثبتون ولادة الشهر بحسب رياح وجهة النظر السياسية، ولا يثبتون أيضاً بحسب رياح وجهة النظر السياسية. هذا المنطق ساقط من الاعتبار في فقهنا الإسلامي.فنحن عندنا لإثبات الشهر كما قال سبحانه وتعالى:(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)وشهود الشهر أي حضور المرء ووجوده حيث يثبت، والنبيr يقول:(صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)
أيها المسلمون :
هناك ولادتان للشهر ولادة فلكية هي حالة الافتراق مابين الشمس والقمرحيث تتم ولادة الشهر بذلك. وهي لحظة كونية واحدة لا تختلف بين بلد وآخر، إلا أن ثمة ولادة شرعية عبر عنها النبي r: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)
الشهر لايمكن أن يزيد عن ثلاثين ولا ينقص عن تسعة وعشرين، أعني الشهر القمري، فقضية الحساب هنا ليست موضوع اعتبار إن بين الولادة الفلكية والولادة الشرعية عشرين ساعة أو ثمانية عشر ساعة، ومن ثم فإن احتمال رؤية الهلال تختلف من بلد لآخر بعض الشيء، ولذلك فإنه ليس هناك حرج من أن يثبت في هذا البلد ولا يثبت في البلد الآخر، وفق قواعد فلكية معروفة، وهناك مراكزعالمية تبين مدى إمكانية الرؤية وعدم إمكانيتها بالنسبة للبلاد وهي معروفة من الآن بالنسبة لهذه المسألة. قضايا الفلك والحسابات الفلكية يستفاد منها في النفي لا في الإثبات، فإذا استحالت الرؤية رددنا كلام من يدعي الرؤية، كما لو قال أحدهم اليوم الشمس تشرق في الرابعةو32 دقيقة لكن سبحان الله اليوم أشرقت وخمسة عشر دقيقة، هل يصدق أحد منكم ذلك قال الله تعالى:(الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ)، وقال: )كُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ(، ليس هناك فوضى في مسألة النظام الكوني وكذلك بالنسبة للقمر إمكانية الرؤية تتبع طبيعة الأقاليم والمناطق، إذا كان هناك خلاف فقهي يمكن أن نتجاوزه بحكم الحاكم، فإذا قضى الحاكم بالأخذ بأحد المذهبين كنا جميعاً وراءه، حكم الحاكم يحسم الخلاف، والحاكم ولي الأمر أياً كان أي القاضي الشرعي والمسألة موكولة إلى القضاء الشرعي، فلا تجعلوا من هذه المسألة مثار إشكال بالنسبة لنا.
المسألة الثانية: أختصر في أحكام الصوم اختصاراً شديداً فأقول: الصوم يشترط فيه تبييت النية لكل ليلة مادام صوم فريضة، ومعنى التبييت أي ما قبل الفجر، أي من المغرب إلى الفجر، إذا ربطت الساعة للسحور أو قلت لجارك أيقظني للسحور أو أعددت طعامك للسحور فقد نويت الصوم، فالنية هي العزم على الصيام وليست عبارة عن كلمة تقال.والنيةموقعها القلب.
الشرط الثاني: الإمساك عن المفطرات التي هي طعام أم شراب أو معاشرة زوجية، أو أي تعمد لاستنزال المني، بمداعبة أو نحوها. كل هذه الأشياء مفطرة يتجنبها الصائم ويبتعد عنها، وضبطها الفقهاء فقالوا: الامتناع عن دخول عينٍ جوفاً من تجاويف الجسم عبر منفذ مفتوح، فالإبرة لا تفطر، وتفاصيل الأحكام أذكرها في دروس الصوم إن شاء الله تعالى.
هذان أمران أردت أن أؤكد عليهما، أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين ويلهمنا الرشد، وأن يجعل هذا الشهر القادم شهر فرج ورحمة ونصر ووحدة وألفة ومحبة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم
تشغيل
صوتي