مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 21/02/2020

خطبة الدكتور توفيق البوطي بتاريخ 21 / 2 / 2020

خطبة الجمعة للدكتور محمد توفيق رمضان البوطي


في جامع بني أمية الكبير بدمشق بتاريخ 21 / 2/ 2020


أمّا بعد فيا أيّها المسلمون؛ يقول ربنا جلّ شأنه في كتابه الكريم: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ويقول سبحانه: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) ويقول جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وقال في شأن المنافقين: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ويقول النبي ﷺ في وصفٍ جامعٍ لصفات المنافقين: ))أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَر((.


أيها المسلمون؛ بعد سنواتٍ مريرةٍ من المعاناة الصعبة.. بعد سنواتٍ شديدةٍ عانت فيها حلب من قذائف الحقد والإرهاب.. بعد أن كانت تعاني من عدوانٍ مباشرٍ على أرضها حتى تم تطهير تلك الأرض. ولكن القذائف لم تتوقف، واستمرت لتقتل الآلاف من الأطفال والنساء والأبرياء وتهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها.. بعد سنواتٍ من المعاناة شرد فيها مئات الألوف عن بيوتهم وعن وطنهم هنا وهناك، حتى اضطر الكثير منهم للجوء إلى المخيمات المهينة .. بعد سنوات من هذه المعاناة؛ انتصر الوطن.. انتصرت حلب..  انتصر الحق على الباطل.. انتصر الجيش على الإرهاب. نعم؛ انتصرت ولله الحمد والمنة، بصبرٍ ومصابرةٍ من أبطالنا ومواطنينا.


أخيراً؛ تم تحرير وتطهير تلك المناطق المحيطة بحلب، كما تم من قبل تطهير المناطق المحيطة بدمشق بفضل الله تبارك وتعالى. وخرج الإرهابيون المجرمون منها يلوون الفرار وقد باعوا الوطن والدين والأمانة، وآثروا الخيانة والتشرد.


أقول: بعد سنواتٍ من المعاناة، عاد الأمان إلى حلب بفضل الله ... عاد الناس مطمئنين ولله الحمد والمنة.


ماذا كان يجني أولئك المجرمون بقذائف الحقد والإرهاب التي يرمون بها السكان الآمنين في حلب؟! أهم بذلك ينتصرون لقضية؟! أهم بذلك يعالجون مشكلة؟! أم إنهم يعبرون عن عمالتهم وحقدهم وكراهتهم للحق، وكراهتهم للوطن وكراهتهم للناس وكراهتهم للمواطنين الآمنين.. حقدهم على الإنسان.. الإنسان الطفل.. الإنسان المرأة.. الإنسان الآمن.  كل ذلك ارتكب تحت اسم الجهاد.. في سبيل الشيطان. أجل؛ إنه جهادٌ في سبيل الشيطان.. جهادٌ في سبيل خدمة أمن إسرائيل.. جهادٌ في سبيل تدمير هذا الوطن. ولكن الوطن بفضل الله تبارك وتعالى أصلب من أن يحطّم، وأقوى من أن ينهزم. ها هو ذا قد هزم أولئك المجرمين ولووا فارين. ولنقول ألا يبقى شبرٌ من وطننا يعاني من هؤلاء الإرهابيين ومن أسيادهم وممن استخدمهم.


نسأل الله U أن يطهر بلادنا، ويعيد الأمن والأمان إلى كل شبرٍ من وطننا؛ بل إلى كل شبرٍ من عالمنا الإسلامي؛ إلى فلسطين.. إلى اليمن.. إلى كشمير.. إلى كل بقعةٍ من بقاع العالم الإسلامي تعاني من ظلم الظلمة واعتداء المعتدين وإرهاب الإرهابيين. نسأله تعالى أن يؤيد الحق على الباطل، وأن ينصر المظلوم على الظالم وأن يعيد الأمن والأمان والسلامة والطمأنينة، وأن يطهر الأرض من رجس الإرهاب ورجس أسيادهم.


أيها المسلمون؛ انهزم النفاق وانهزم المنافق. وإن كان لا يزال البعض يخدعون بدعوى التدين التي يلبس قناعها ذلك المنافق. أي تدينٍ هذا الذي يدعوه إلى الظلم والبغي والعدوان والغدر بالجار؟! والنبي ﷺ يقول فيما رواه البخاري: ((واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذي لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ)) وأيّ بائقة بقيت لم يفعلها جار السوء بأمتنا وبوطننا؟!


نعم؛ يدعي التدين. وهل بقي من الصفات الأربعة صفةٌ لم يتصف بها؟! (إذا اتئمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر). أجل؛ يكذب ويكذب. والنبي ﷺ يقول فيما رواه مسلم: (ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذابٌ، وعائلٌ مستكبرٌ). قل لهذا الإنسان أن يؤوب إلى رشده .. أن يتوب إلى ربه إن كان مؤمناً بربه.. أن يعود عن غيه.. أن يعود عن ظلمه.. وأن يكفّ عن العدوان على إخوانه وجيرانه إن كنا إخواناً له.. إن كان لا يزال يؤمن بالأخوة. ولكن لا يبدو لي أن فيه بقيةً من إيمانٍ بتلك الأخوة.


أيها المسلمون؛ إننا إذ نبتهج بالأمان الذي عاد إلى حلب. حلب.. تلك المدينة التي كانت ترفل بالخير والعز والأمان والطمأنينة، فمزق أمانها وعكر صفوها بالظلم والبغي والعدوان أولئك الإرهابيون المجرمون حتى طهرت اليوم. فكان حقاً علينا أن نبتهج لأمانها وأن نسرّ لعودة الطمأنينة إلى ربوعها.


نقول: إننا لنأمل ونرجو الله U أن ينتشر الأمان والطمأنينة وأن تطهر كل ذرة ترابٍ من أرضنا، وأن تطهر كل بقعةٍ من عالمنا الإسلامي من الظلم والبغي والإرهاب والعدوان.


إننا لنرجو الله U أن يعيد الطمأنينة إلى تلك القلوب الواجفة. وكيف لا؟ كيف لا يغيث الله تعالى هذه الأمة وبكاء الثكالى يرتفع إلى الله U ضارعاً إليه أن ينتقم لهنّ؟! بكاء الأرامل يرتفع إلى الله U أن ينتقم لهنّ؟! بكاء اليتامى والمساكين الذين ظلموا واعتدي عليهم وشردوا.. هذه الصيحات لا يمكن أن ترد. قد بلغت عنان السماء. والله سبحانه وتعالى لا بد أن يستجيب للمظلوم؛ ثلاثةٌ لا يمكن أن يرد دعاؤهم ومنهم دعوة المظلوم. تصعد إلى السماء لا يحول دونها شيء.. لا يقف في وجهها عائق.. ترقى إلى الله U. والله مطلعٌ على آلام المظلومين وبكاء الثكالى والأرامل وبكاء اليتامى والمساكين. نعم؛ عانوا ولكن بعد المعاناة فرجٌ قريبٌ بإذن الله تبارك وتعالى. نعم؛ ذاقت حلب الكثير.. ولا تزال بعض البقاع تعاني.


وإننا لنسأل الله U كما أظلّ حلب بالأمان، أن يظللّ كل شبرٍ من وطننا بالطمأنينة بالأمان وأن يطهر وطننا من العدوّ الغاشم ومن الإرهابيّ الظالم.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة