مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 26/03/2021

خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي بتاريخ 26 / 3/ 2021

أما بعد فيا أيها المسلمون؛ يقول ربنا جل شأنه في كتابه الكريم: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ويقول سبحانه في كتابه الكريم: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ* يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ* خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).


وروى ابن حجر في المطالب العالية وابن حبان في صحيحه وغيرهما عن النبي ﷺ أنه قال: "إن ربكم يطّلع في ليلة النصف من شعبان على عباده فيغفر لهم كلهم إلا لمشركٍ أو مشاحن -وفي روايةٍ: أو صارم* –أي: من يمارس القطيعة مع إخوانه. وروى البيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال لها: "أتعلمين أيّ ليلة هذه؟ قالت: الله ورسوله أعلم. قال: هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم".


أجل، ليلةٌ مباركة ولئن كانت الأحاديث فيها بعض الضعف كما يقول علماء الحديث، إلا أنهم يقولون هم أنفسهم إن تعدد طرق الرواية عن عددٍ من الصحابة يجعلها يؤيد بعضها بعضاً، فصارت موضع قبولٍ واعتمادٍ من قبل عامة العلماء. نحن على مشارف شهر رمضان المبارك وحسن الاستعداد لشهر رمضان يقتضي منا أن نكون على حالةٍ من مزيدٍ من التقرب إلى الله جل شأنه والتهيؤ لهذا الموسم العظيم الذي نحن مقبلون عليه.


فإن أضفنا إلى ذلك أن هذه الليلة ليلةٌ مباركة، بالاعتبار الذي ذكرت من الأحاديث النبوية الشريفة، وباعتباراتٍ ثابتةٍ في السنة المطهرة منها أن هذه الليلة من الليالي البيض من كل شهرٍ قمري والنبي ﷺ أمر بصيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهرٍ قمري باستثناء شهر ذي الحجة. وهذا أمرٌ ثابتٌ في مسند الإمام أحمد. أضف إلى ذلك ما رواه مسلم عن النبي ﷺ أن الله يمهل - أي يمهل حتى الثلث الثاني من الليل بل يدعهم يستريحون - حتى إذا مضى الثلث الأول نزل إلى السماء الدنيا – أي: نزل أمره، فيقول: هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟


أجل، ينادينا ويدعونا إلى أن نمثل بين يديه فنرفع الأكف إليه سائلين مستغفرين تائبين آيبين صادقين في الإقبال عليه حتى ينبلج الفجر. فرصةٌ سنحت لنا.. لا تصغوا إلى أولئك الغوغاء الجهلة الذين يصدون عن سبيل الله، فيكثرون الكلام واللغط حول ليلة النصف من شعبان، هذه الأحاديث التي رويناها تشمل النصف من شعبان وغير النصف من شعبان، ونحن أمام أحاديث النصف من شعبان تلقاها العلماء بالقبول وأمام النصف من شعبان نحن على مشارف شهر الرحمة. الشهر الوحيد الذي ورد ذكره في كتاب الله تعالى عندما قال: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ). أجل، هذا شأن شهر شعبان!


على أن النبي ﷺ فيما ثبت من السنة كان يكثر من صيام شهر شعبان استعداداً وتعظيماً لشهر رمضان المبارك. فما ينبغي لهؤلاء الصدّ عن سبيل الله وتثيبط همة المؤمنين عن الإقبال إلى ربهم، ونحن في أمس الحاجة إلى الإقبال على الله U. نحن اليوم غارقون في أوحال المعصية! هل يستطيع أحدنا أن ينكر ذلك؟ تطوف المعاصي من حولنا والمغريات والمفاسد بل دخلت إلى عقر دارنا، أليس كذلك؟ نحن اليوم بأمس الحاجة إلى توبةٍ نصوح واستغفارٍ صادق وبسط أيدي الاستغفار إلى الله U أن يغفر لنا.


وأمرٌ آخر؛ لقد طافت بنا الشدائد وأحدقت بنا المحن واشتد بنا الكرب وضاقت بنا الحياة، وكلكم يرى ما تعاني منه الأمة والله سبحانه وتعالى يقوله: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). كم نحن اليوم بحاجة إلى أن نبسط أكف الافتقار والتذلل والتضرع إلى الله جل شأنه، أن يكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه عنا غيره، إنه هو الغفور الرحيم! هو السميع المجيب!  ربنا سبحانه وتعالى.


فلا تلقوا السمع إلى هؤلاء السفهاء الذين يزهدون الناس في طاعة الله تعالى ويصدون عن سبيله. أعرضوا عن هذه السفاهات وانتهزوا كل فرصةٍ تسنح لكم والنبي ﷺ يقول: "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات، ألا فتعرضوا لها" نحن بحاجة إلى أن نتعرض لنفحات العطاء الإلهي ومواسم العفو التي يعرضها ربنا تبارك وتعالى علينا، لكي نعود إليه ونتوب إليه ونتضرع إليه، فهل من مستيقظٍ نادمٍ على تقصيره، وكلنا ذلك الرجل! كلنا يعيش في حالةٍ من الضنك والشدة، قال سبحانه: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) نحن في أمس الحاجة إلى أن نبسط أكف التضرع إلى ربنا الكريم أن يكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه عنا غيره وأن يغفر لنا من الذنوب ما قد أحاط بنا من كل جانب.


نسأل الله تعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً ونسأله أن يفرج عنا ما أهمنا وأغمنا وأن يدفع عنا من البلاء والشدة ما لا يدفعه عنا غيره إنه هو السميع المجيب.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.

تحميل



تشغيل

مشاهدة
صوتي