مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 18/09/2020

خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي بتاريخ 18 / 9 / 2020

أمّا بعد فيا أيّها المسلمون؛ يقول ربّنا جلّ شأنه في كتابه الكريم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) ويقول جلّ شأنه في كتابه الكريم: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) ويقول سبحانه: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا).


أيّها المسلمون؛ تشهد المرحلة الحالية من تاريخ الأمة حالةً خطيرةً من التنكر للحقوقٍ والتخلي عن الثوابت ومعانقة العدو والتنكر للأصدقاء والإخوة. والعدو أمةٌ عُرفت بالخيانة طيلة تاريخها، منذ فجر وجودها إلى يومنا هذا، وقد أوضح كتاب الله U حقيقة هذه الأمة وتاريخها الخياني؛ وأقف عند بعض مظاهر ذلك:


يوم نجى الله سبحانه وتعالى موسى ومن معه من بني إسرائيل من فرعون فقال له: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) مشى سيدنا موسى على يابسة، ولحق به فرعون فغرق في البحر وهلك هو ومن معه. والله تعالى يخبرنا عن ذلك بقوله: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) إذا أنجاكم من فرعون. يقول ذلك لهم ويمتن عليهم ويبين كيف أنهم قد أنجاهم الله U ممن استعبدهم وأذلهم ونال منهم؛ استباح واستحيا نساءهم وفعل بهم الأفاعيل؛ فكانت نجاتهم على سيدنا موسى.


وما أن نجوا ومضى سيدنا موسى إلى المناجاة حتى انتقضوا على العهد وخانوا الأمانة. إذ بين الله تعالى لسيدنا موسى بقوله: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَىَ*قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَىَ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىَ * قَالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلّهُمُ السّامِرِيّ) ثم قال سبحانه: (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ) يا للعجب! رأوا بأم أعينهم قدرة الله U وأدلّة نبوة موسى وصدقه، فأشركوا وعبدوا العجل وعبدوا الأصنام وعبدوا الخرافات مباشرةً.


ثم بعد ذلك، تنكروا لموسى عليه الصلاة والسلام، بل بلغ بهم التمادي أن نالوا من رب العزة جلّ شأنه فقالوا: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) أمةٌ ألفت الخيانة منذ فجر وجودها. ولا داعي لأن نقف عند تاريخهم القذر الذي سطروه ولا يزالون يسطرون من خلاله صفحات الخيانة والغدر.


انظرا إليهم يوم جاء النبي ﷺ إلى المدينة المنورة لينشئ أول مجتمعٍ إسلامي، وكتب الوثيقة، وكان في المدينة ثلاث قبائل من اليهود، فعد المدينة وطناً مشتركاً بين المسلمين واليهود، وجعل ما لهم مشتركاً وما عليهم مشتركاً. ما كادت تمر عليهم سنةٌ أو سنتان حتى غدروا بالنبي ﷺ وبأصحابه ونقضوا العهد؛ فاعتدوا على أعراض المسلمين وحاولوا اغتيال النبي ﷺ مرتين واعتدوا على الصحابة الكرام، وصاروا يتوعدون النبي ﷺ وأصحابه قائلين له: (أغرك أنك قاتلت أناساً لا خبرة لهم بالحرب والله لو قاتلتنا لرأيتنا أننا نحن الرجال) هكذا قالوا للنبي. لماذا تتحدثون بلغةٍ فيها تهديدٌ ووعيدٌ؛ وقد جعل النبي ﷺ المدينة وطناً مشتركاً لكم! فاقتضى الأمر إزاء الخيانات المتكررة منهم أن يطردوا من المدينة المنورة. فما كان من زعيمهم حيي بن أخطب إلا أن ذهب فألّب قريشاً والأحابيش وغيرهم على النبي ﷺ ليشكل (الأحزاب) لمقاتلة النبي ﷺ ووأد الدعوة الإسلامية في مهدها في المدينة المنورة؛ حيث اجتمعت تلك القبائل كلها وحاصرت المدينة المنورة يوم الأحزاب؛ يوم الخندق.


وردّ الله تعالى المشركين على أعقابهم. يومها سوّل حيي بن أخطب لبني قريظة الخيانة، فما كان منهم إلا أن خانوا وغدروا بالنبي ﷺ في أحلك ظرفٍ كان يعيشه المسلمون وصفه الله سبحانه بقوله: (إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الاَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً). في ذلك اليوم، نقض بنو قريظة العهد مع النبي ﷺ فاستحقوا العقاب الذي عاقبهم به النبي عليه الصلاة والسلام.


هذا تاريخهم؛ ومن تاريخهم أيضاً! اغتصابهم فلسطين ثم امتداد عدوانهم إلى القدس الشريف؛ القدس التي فتحها عمر t وحررها صلاح الدين الأيوبي t بعد احتلال الصليبيين لها مئتي سنة؛ واليوم يتخلى البعض عنها؛ فيعانقون اليهود متخلّين عن المقدسات.


أجل، وبكل بساطة يطبّعون! والله تعالى يقول: (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ) تنكّروا لدينكم وحاربوكم واعتدوا على حقوقكم، وارتكبوا في فلسطين المجازر ولا يزالون. اغتصبوا البيوت والمزارع وفي كل يوم يطردون أسرةً من بيتها، لكي يقيموا مكان ذلك البيت وما حوله من القرى مستعمراتهم الغاشمة الظالمة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. أنصافحهم؟! ونعانقهم؟! ونتعاون معهم؟! ونمد أيدينا لمحبتهم وصداقتهم؟!


والعجب أن بعضهم يتنكر لوجود وطن أسمه فلسطين، ويعلن بعض الأعراب من سفلة الإعلاميين أنه ليس هناك شيء اسمه فلسطين. من عجب! الأرض المباركة التي بارك الله حولها والتي فتحها عمر؛ هذه ليست أرضنا؟! من عجب! والتي سفكت على أطرافها الدماء يوم اغتصبها الصليبيون وارتكبوا فيها المجازر التي يشيب لها الولدان؛ بعد مئتي سنة من الاغتصاب حررها صلاح الدين الأيوبي؛ يتخلون عنها؟! يتخلون عن كرامتهم!


 القدس وفلسطين ليست ملكاً لعربيٍ أو أعجميٍ! هي حقٌ إلهيٌ مقدس لهذه الأمةّ شاء من شاء وأبى من أبى!


أقول: لو أننا تأملنا علامَ يربون أطفالهم؟! ارجعوا إلى حواراتهم وما يتلقونه واسمعوا؛ يربون أطفالهم على سفك دمائنا! على استباحة دمائنا! على ازدراء الإنسان المسلم! وحاخاماتهم يصفون العرب والمسلمين بأسوأ الصفات ،ويشجعون على قتلهم ويشجعون على سفك دمائهم ويعتبرون سفك دمائهم تقرباً إلى الشياطين الذين يعبدونهم! ثممع ذلك تصافحونهم! وتعانقونهم! وتعقدون الاتفاقيات معهم! على أي شيء؟! على التخلّي عن الثوابت! عن المقدسات!


تُرى لو أننا تأملنا حقيقة ما يجري ونظرنا إلى نشاطاتهم؛ هل هناك دارٌ أو مؤسسةٌ إعلاميةٌ تنشر الفجور والإباحية إلا وهم وراءها؟! اليوم تخرج المظاهرات في أوربة التي هي ليست مسلمة ولا تغار على الحرمات؛ غاضبةً لأن؛ أفلام اليهود.. أفلام مؤسساتهم تبث أفلاماً تغري الأطفال بالفجور؛ تغري الأطفال بالانحراف! نعم رأيت ذلك! يتظاهرون غاضبين لأن اليهود يريدون إفساد براءة الأطفال. إنهم وراء كل فساد! هم وراء كل إباحية! هم وراء كل شر! ومع ذلك، نصافحهم ونعقد معهد اتفاقيات المحبة والمودة ونغني لهم ونصفق لهم!


أيها المسلمون؛ إن الله تعالى يقول لنا: (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ). ويقول الله تعالى أيضاً: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى) لكننا اليوم في أمريكا نجد تحالفاً صهيونياً صليبياً بما يسمى المسيحية المتصهينة والتي كان من طلائعها بوش وعصابته. ثم جاء من بعده من تابع مسيرته، إلى أن ظهر هذا النذل الذي أعلن أن القدس عاصمةٌ معترفٌ بها لليهود، متنكراً لحق الأمة فيها. بل؛ هو يتصرف تصرف من يملك فلسطين ويملك العالم كله فيهب اليهود الجولان العربي السوري!! ثم مع ذلك نجلس إلى جانبه ونوقع عقد المحبة والصداقة!! لقد حذرنا ربنا تبارك وتعالى منهم.


لكن هل تعلمون من هم أسوأ منهم خيانةً وشرا ً؟ من هو أسوأ من اليهود والمسيحية المتصهينة؟! إنه عبد الله بن أبي بن سلول الذي تحالف مع اليهود ضد النبي ﷺ. تحالف مع بني النضير وشجعهم على حرب النبي ﷺ وأعلن أنه سيقف معهم، وتحالف مع بني قينقاع وأعلن حمايته لهم.


مات عبد الله بن أبي بن سلول، إلا أن عبد الله بن أبي بن سلول ليس مجرد شخص؛ إنه ظاهرة! ظاهرة التخلي عن الأمة والتحالف مع عدوها! واليوم، نجد صورةً متكررةً لعبد الله بن أبي بن سلول، تلبس لباساً عربياً وتتكلم باللغة العربية وتتخلى عن الثوابت والكرامة والحقوق، بل ولعل بعضهم يلبسون ثياب أهل العلم والدين، متخلّين عن ثوابت هذا الدين! متخلّين عن حقوق هذا الأمة. عبد الله بن أبي بن سلول ظاهرةٌ تتكرر اليوم من خلال أناسٍ نجدهم في الساحة وللأسف.


نسأل الله أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً وأن يجمع كلمة الأمة على الهدى والرشاد.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.

تحميل



تشغيل

مشاهدة
صوتي