مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 17/07/2020

خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي بتاريخ 17 / 7 / 2020

خطبة الجمعة للدكتور محمد توفيق رمضان البوطي


في جامع بني أمية الكبير بدمشق بتاريخ 17 /  7 / 2020


أما بعد فيا أيها المسلمون؛ يقول ربنا جل شأنه في كتابه الكريم: (والفجر ۝ وليال عشر ۝ والشفع والوتر ۝ والليل إذا يسر ۝ هل في ذلك قسم لذي حجر). ويقول النبي ﷺ: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ)) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَال: ((وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)) وقال النبي ﷺ: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أفضَلُ عِندَ اللهِ مِنْ عَشرِ ذِي الحِجِّة)).


أيها المسلمون، تقبل علينا بعد يومين فرصةٌ من أعظم فرص الحياة وموسمٌ من أجل مواسم التقرّب إلى الله جلّ شأنه؛ إنه عشر ذي الحجة الذي أقسم الله  تنويهاً بعظيم مكانتها، وبين النبي ﷺ أن الهمة في الطاعة فيها مطلوبة والإقبال على الله  بالعبادة والطاعة في هذا العشر أمرٌ مطلوبٌ عند الله تعالى وقد حثنا النبي ﷺ عليه. 


والملاحظ في هذا الأمر أنها تقبل علينا هذه الأيام مع ما نحن فيه من ظروفٍ حرجةٍ صعبةٍ، إذ تحيط بنا المحن والشدائد والفتن والأمراض أيضاً، وما لنا من ملجأ من ذلك إلا إليه سبحانه وتعالى. والنبي ﷺ يقول: "العبادة في الهرج كهجرةٍ إلي". أن تتقرب إلى الله  في أيام الشدّة والمحنة والفتنة، فأنت في ذلك بمثابة المهاجرين إلى رسول الله ﷺ الذي ضحوا بالمال والأهل والوطن في سبيل عقيدتهم وفي سبيل مرضاة ربهم سبحانه وتعالى، مما جعلهم بعد ذلك يستعيدون المال أضعافاً وعاد لهم الوطن وأكرمهم الله  بكثيرٍ من الانتصارات والعطاءات كما تعلمون.


نعم؛ تحيط بنا حربٌ إرهابيةٌ وظروفٌ اقتصادية وحصارٌ جائرٌ ظالم، ولكن كل ذلك إنما يدفع بنا إلى الالتجاء إلى الله ؛ يدفع بنا إلى اللواذ بباب الله سبحانه وتعالى، إذ ليس لنا من بابٍ نلتجئ إليه إلا بابُ الله سبحانه وتعالى. ولذلك، فجديرٌ بنا في هذا العشر أن نضاعف الجهد في التقرب إلى الله، والالتجاء إليه والتبتل على بابه، والتضرع إليه عملاً بقوله تعالى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا). فالتضرع إلى الله  أمرٌ مطلوب. وعندما نتضرع إلى الله في أيام الشدة أو في أيام الرخاء، فإن ذلك تحصينٌ للنعمة ودفعٌ للنقمة بإذن الله تعالى. والملاحظ في حديث المصطفى ﷺ أنه قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ ...ِ) العمل الصالح.. جاء بصيغة العموم لأن (ال) الجنس إذا دخلت على المفرد جعلته مستغرقاً لكل الأفراد؛ أي كل الأعمال الصالحة، من صيامٍ إلى قيامٍ إلى دعاءٍ إلى استغفارٍ إلى صلة الرحمٍ إلى حسن جوارٍ إلى بر الوالدين إلى النظر في شأن هذا المجتمع والتلطّف بحال المعوزين فيه؛ كل ذلك مطلوبٌ منا. 


ولعل من أهم ما ينبغي أن يهتم به المقتدر في هذه الظروف هو النظر في حال الفقراء والمعوزين، الذين أنهكتهم الظروف الصعبة التي أحاطت بهم، أحاطت بالأمة كلها، لكنهم بعوزهم هم الأشد فاقةً والأشد حاجة. ولذلك فإن من أعظم القربات أن ننظر في حال هؤلاء ونخفف عنهم ألمهم، ونخفف عنهم عوزهم، ولا شك أن وجود أولئك الكرام الذي أعطاهم الله سبحانه وتعالى فبذلوا مما أعطاهم للتخفيف عن إخوانهم الفقراء؛ إن أمةٌ تتراحم أبناؤها لن تنهزم بإذن الله ولن تنال منها الفتن بإذن الله تبارك وتعالى. ستجد هذه الأمة - بتعاون وتضامن وتكافل أبنائها - المخرج من هذه الشدة التي تحيط بنا.


الأمر الآخر هو الصيام؛ صيام يومٍ يبعد العبد عن النار سبعين خريفاً، كما قال النبي ﷺ. والحديث القدسي يقول: (كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصيامَ، فإنَّه لي وأنا أَجْزي بهِ). فإذا كان هذا في عامة الأحوال، فأجدر بنا أن نكون في هذا العشر حريصين على صيام أيامه؛ أي أيام التسع منه، النص جاء بصيغة {ليالٍ عشر} ولكن الأيام، أي النهار الذي يصام هي تسعة، أما العاشر فهو يوم العيد الذي يحرم صيامه. إذا كان صيام أي يومٍ من أيام السنة يبعد العبد عن النار سبعين خريفاً وثوابه لا حدود له، فأجدر أن يكون صيام هذا العشر أمراً مما ينبغي الحرص عليه في حياتنا في الأيام القادمة إن شاء الله تعالى.


الأمر الآخر؛ يقول ربنا تعالى في كتابه مثنياً على عباده الذين أقبلوا عليه فقال: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) هل شعرت بلذة المناجاة والدعاء في ساعة خلوةٍ من السحر؟ هل تذوقت لذة البكاء بين يديه سبحانه وتعالى في الوقت المبارك الذي أثنى الله سبحانه وتعالى على المستغفرين له فيه. النبي ﷺ أشار ونوه عن هذه الساعة المباركة فقال فيما صح عنه ﷺ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: هَل مِن سَائِلٍ فَأُعطِيَه؟..) أليست لك حاجة؟ مد يدك إلى الله  في ساعة السحر فتلك ساعةٌ مأمولٌ أن يستجيب الله سبحانه وتعالى لك فيها (هَل مِن سَائِلٍ فَأُعطِيَه؟ هَل مِن مُستَغفِرٍ فَأغَفِرَ له؟). نعم؛ في الثلث الأخير من الليل ساعةٌ مباركة لا تضيعها في أيّ يومٍ من الأيام، لكن كن أحرص عليها في هذا العشر الذي نحن مقبلون عليه.


ومما ينبغي الاهتمام به في هذه الأيام التي نحن مقبلون عليها، أن نصلح من أحوالنا ونراجع أنفسنا وأن نحاسب أنفسنا، وكلنا مقصر، وكلنا جديرٌ بأن يتوب إلى الله . لذلك فمما ينبغي أن نحرص عليه في هذه الأيام كثرة الاستغفار وكثرة الإنابة. ثم أضيف إلى ذلك؛ إصلاحَ ذات البين وبرَّ الوالدين وصلة الرحم. كل هذا مطلوب فيا من قطعت رحمك لا يقطعنك الله  من رحمته، عد فأصلح ما بينك وبين رحمك. ويا من قصرت في حق والديك، أصلح فيما بينك وبين والديك لكي يصلح الله لك من حالك، ويبارك الله لك بحياتك ورزقك، وأحسن جوارك وصل من قطعك وأعطِ من حرمك واعف عمن ظلمك. كل ذلك من القربات.


فحيهلا جميعاً نحو إقبالٍ على الله في هذا الموسم لنحظى إن شاء الله تبارك وتعالى بقبولٍ عند الله وبفرجٍ قادمٍ بإذن الله تعالى.


وبعد أيها المسلمون؛ فإن الوطن مقبلٌ على انتخاباتٍ للمجلس التشريعي؛ لمجلس الشعب. هنا أقول: إن على المرشح أن يكون صادقاً مع نفسه؛ صادقاً مع ربه، صادقاً مع أمته، لكي يكون موضع قبولٍ، ويكون له الأثر المجدي إن شاء الله تعالى في هذا الوطن وفي هذه الأمة. وأقول للمنتخب: لا تنتخبن إلا من تثق بأمانته.. من تثق بخلقه.. من تثق بحرصه على مصلحة هذه الأمة وهذا الوطن.


قال رسول الله ﷺ: (من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين).


 كن حريصاً على أن يكون صوتك لمن يستحق هذا الصوت. 


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهيئ لأمتنا أمر رشد وأن يفرج عنها فرجاً قريباً.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.


تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة