مميز
EN عربي

السلسلة: تاريخ التشريع الإسلامي

المدرس: العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
التاريخ: 10/01/2011

31- مزايا الدور الخامس من أدوار التشريع الإسلامي والفرق بين قواعد تفسير النصوص وبين القواعد الفقهية

التصنيف: علم تاريخ التشريع

الدرس الواحد والثلاثون: مزايا الدور الخامس من أدوار التشريع الإسلامي والفرق بين قواعد تفسير النصوص وبين القواعد الفقهية

خلاصة الدرس 31

الأئمة الفقهاء العظام أمثال الغزالي والعز بن عبد السلام والإمام السرخسي وابن دقيق العيد والإمام النووي هؤلاء كانوا مجتهدين ولكن يسمون مجتهدين في المذهب أي أنه يستنبط الأحكام من النصوص وعن طريق القياس وغيره لكن عندما يستنبط يعتمد على القواعد التي وضعوها الأئمة الأربعة قبله, إذا اجتهاده ضمن حدود المنهج – قواعد تفسير النصوص - الذي رسمه الأئمة قبله.

مزايا الدور الخامس:

من أبرزها:

تعليل الأحكام, مثلاً: الإمام الغزالي يجد أن الإمام الشافعي بين في كتابه الأم أن البنت التي جاءت سفاحاً منه – ارتكب الزنى بامراة حملت منه وأنجبت بنتاً – يقول: هذه البنت لا تنطبق عليها أحكام البنوة بالميراث مثلاً فلا ترث منه ولا يرث منها وعدم حرمة الزواج منها لأنها ليست ابنته, جاء الفقهاء من بعده وفسروا هذا بقولهم: لأن معنى البنت في القرآن يفسر بالحقيقة الشرعية وليس بالحقيقة اللغوية أما المعنى اللغوي فهي أنها بنتاً من مائه, أما شرعاً: يجب أن تكون من مائه وبنكاح شرعي, حين بين لنا الباري سبحانه وتعالى في سورة النساء ميراث البنت بينها بالحقيقة الشرعية وليس باللغوية إذاً بنت الزنى لا ترث ولا تحرم عليه. إذاً " البنت التي جاءت من سفاح لا تنتمي بالبنوة إلى من استولدها شرعاً"

المزية الثانية لهذا الدور: أن هؤلاء الفقهاء أخذوا يرجحون قولاً على قول فظهر اجتهادهم, فمثلاً روي عن الإمام الشافعي قولان بمصر كان له قول قبلها وكذلك الأئمة الآخرون, فكان فقهاء الدور الخامس ينقلون آراء الأئمة ومن ثم يقفون موقف القاضي ويرجحون بين الآراء فكان كثيراً ما يخالف أحد السادة الأحناف إمامه أبي حنيفة ويرجح قول الإمام الشافعي في مسألة ما وكذلك قد يفعل غيره من الأئمة.

ومن هنا وجد في هذا الدور ما يسمى الفقه المقارن: أي ندرس مذهب الإمام الشافعي فيما يتعلق مثلاً بمسائل البيع ونقارنها بمسائل الإمام أبي حنيفة وأيهما أصح وهنا يأتي دور الترجيح ففقهاء هذا المذهب يرجحون رأي الإمام أبي حنيفة مثلاً لأن الإمام الشافعي كان قد استشهد بحديث ضعيف ولم يعرف ضعفه إلا بعد حين – بعد وفاة الإمام الشافعي- .

مثال: الوقف للأراضي مثلاً الإمام ابو حنيفة يقول أن الواقف له أن يعود متى شاء في وقفه وخالفه في ذلك الإمام الشافعي .. ويقول الإمام أبي حنيفة إلا إن سجل هذا الوقف في وثائق الدولة فلا يستطيع أن يعود فيها, ثم جاء فقهاء الأحناف الدور الخامس ورجحوا رأي الإمام الشافعي في الوقف.

المزية الثالثة: شرح المؤلفات أي ظهور شروح وحواشي للمؤلفات , مثلاً كتاب المنهاج للإمام النووي الذي ألفه مختصراً وجد له شرح للإمام ابن حجر في كتابٍ له اسمه تحفة الفقه من عشر مجلدات, وآخر شرحه شرحاً آخر اسمه "مغني المحتاج" للإمام الشربيني, الإمام النووي شرح كتاباً اسمه" المهذب" للشيرازي بتسع مجلدات وتوفي وكان قد وصل لأول باب البيوع ولو أتمه لوصل إلى ثلاثين مجلّداً.

وهناك مزية أخرى: تدوين ما يسمى بقواعد الفقه لم تكن معروفة ولا موجودة بالدور الرابع ولا الذي قبله نهائياً, معنى القواعد الفقهية: القاعدة الفقهية هي عبارة عن حكم كلي يعبَّر عنه بكلمة جامعة تندرج تحته مئات الجزئيات من الأحكام الفقهية, وكثير من العلماء شرحها وأطال بشرحها.

مثلا منها: قاعدة ( المشقة تجلب التيسير , اليقين لا يزول بالشك, الأمور بمقاصدها، العادة محكّمة ,الضرر يُزال )

المشقة تجلب التيسير قاعدة جمعها الفقهاء إما من القرآن الكريم أو من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم من جزئيات الأحكام تدل على أن الله تعالى يرد بالناس اليسر وهو القائل : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)

والله سبحانه يرخص للمسافر الإفطار ويرخص له الجمع بين الصلاتين والتيمم وهذا فيه تيسيراً...

ومثلاً قاعدة العادة محكّمة: حين وجد الفقهاء بكل أبواب الفقه الشيء الذي لا نص عليه نرجع فيه إلى العرف, مثلاً البيع إن تم لا يصبح المتاع من ضمانك إلا في حال القبض والقبض يفسره العرف ويحدد كيفية القبض كأن يقبض البيت بتسليم مفتاح البيت, أما الآن أصبح العرف بتسجيله رسمياً.

قاعدة الضرر يُزال: فأنى يكون ضرراً الشارع يضع حكماً لإزالته وهذا أتى من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: لا ضرر ولا ضرار, أي لا يجوز أن تبدأ أخاك بضرر ولا يجوز لأخيك ان يقابل ضرراً بضرر..

قاعدة اليقين لا يزول بالشك: أحدكم توضأ وخرج من بيته متوضأً ثم شكّ هل لا زلت متوضئاً أم لا, فصار يقيناً سابقاً وشكاً لاحقاً والذي يغلب الآخر هو اليقين السابق فهو الأقوى, خرجت من بيتك ولم تكن متوضئاً ثم شككت هل توضأت ام لا بعد خروجك هنا نقول أن الأقوى عدم الوضوء.

قاعدة الأمور بمقاصدها : أي تلون تصرفاتك حسب القصد الذي بقلبك لون القصد يطفح على لون الفعل, أخذ الفقهاء هذه القاعدة من كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام:" إنما الأعمال بالنيات " ثم من جزئيات الأحكام الكثيرة التي تبين أن النية هي التي تتحكم في الصحة والبطلان والثواب والعقاب..

إذاً ينبغي أن نعلم أن فقهاء هذا الدور لم يكونوا أقل قدرة على الاجتهاد بل يمتازون بقدرة فائقة إلا أن ظروفهم اقتضتهم ان يتحركوا ضمن مساحة ضيّقة .

بقي سؤالاً: ما الفرق بين قواعد تفسير النصوص وبين القواعد الفقهية..؟

قواعد تفسير النصوص مفاتيح لفهم الأحكام من نصوص الأحكام والسنة فإن جاء النص لفظه عام نفهم العموم من خلال هذه القواعد مثل: اللفظ العام يجري على عمومه , الأمر المطلق يجري على إطلاقه، الأمر للوجوب... إذاً هي مفاتيح تستعمل قبل معرفة الأحكام وعلى عكسها قواعد الفقه هي قواعد تصوغها بعد تكامل الأحكام الفقهية تعيد النظر فيها فتستنبط مما قد فهمت قواعد كلية, فقواعد تفسير النصوص تكون قبل الاجتهاد في فهم الأحكام أما قواعد الفقه تكون بعد تدوين الأحكام.

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة