مميز
EN عربي

الفتوى رقم #56974

التاريخ: 12/07/2017
المفتي: الشيخ محمد الفحام

المنهج الدعوي مع غير المسلمين

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيراً والقائمين على هذا الموقع.. شيخنا.. الإسلام دين الرحمة والإنسانية، ودين الحب كذلك، فما موقفنا من أهل الكتاب؟؟ أو الكفار بشكل عام؟؟ وماذا كان موقف الحبيب صلى الله عليه وسلم منهم؟؟ عندما نرى مواقفه صلى الله عليه وسلم.. حين بكى على اليهودي الذي توفي، وحين قال له الله تعالى:(لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) و (فلعلك باخع نفسك على آثرهم...) نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أحبهم وأحب لهم كل الخير، ولم يكن نشره للرسالة مجرد عمل فقط، أي كان يحبهم ويحب لهم الخير، وكان هذا دافعاً من الدوافع له صلى الله عليه وسلم أن يتحمل ما تحمله من عناء لإيصالها، وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم طبعا ومن حبه الخير لنا، ولكن عندما نقرأ في البيان الإلهي : (لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) فإن أحببناهم وشاركناهم أحزانهم وأفراحهم بالحد الشرعي طبعا.. فلسوف يرضون عنا، وقد سمعت بعض الشيوخ ممن أثق بهم أنه يحرم فعل شيء يرضي عني أحداً من الكفار، فإن رضوا فقد خرجت عن الملة والدليل ما قاله تعالى في هذه الآية، فما الصحيح شيخنا الفاضل؟؟ هل نعاملهم معاملة سطحية فقط؟؟ ونحاول أن نهديهم امتثالاً لأمر الله وطمعاً في الأجر فقط؟؟ ولكنا عندما نرى ما كان من الحبيب صلى الله عليه وسلم من الرحمة والشفقة عليهم وقوله تعالى :(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) نرى غير ذلك.. أعلم أن لدي خلط في هذا الأمر؟ فهلا ساعدتمودني شيخنا الفاضل؟؟ شكرا لكم وجزاكم الله عنا خيراً ♥

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه ومن والاه, وبعد؛ فإنَّ المقطع الأول من سؤالك هو جوهرُ الحقيقة النبوية أنه الرحمة المهداة للعالمين إلى أنَّ يرث الله الأرض ومَن عليها, فمَن أقبل عليها عاش أنسَها وقطف ثمرها, ومن أعرض عنها كانت حجةً عليه يوم الحساب بسؤالِ معطيها. أما المقطعُ الثاني ففيه الخَلْط الذي ما ينبغي أنْ يقع فيه مؤمنٌ عرفَ منهجَ الدعوة إلى الله تعالى, لذا فأقول: ليست صلتنا لغير المسلمين نابعةً من الحرص على رضاهم أو عدم رضاهم بل على رضى اللهِ تعالى القائل في محكم بيانه: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ) فهو المسلكُ النبويُّ الذي انتهجَه عمرَه كلَّه لِهدايةِ عبادِ الله سبحانه وهو القائلُ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لأَنْ يهديَ الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لكَ مِن حُمْرِ النَّعَم) فحقُّ غير المسلم على المسلم إرادةُ الخير له عبرَ سُبُلِ نجاته في منهج هدايته, ومعلومٌ أنه كان دأبَ النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وسلم فهو عليه الصلاة والسلام لم يألُ جُهْداً في دلالتهم على الهدى ودينِ الحقِّ وكان مُتَمَنَّاه أنْ يُسلِمُوا أجمعين ولا أدلَّ على ذلك مِن لُطْفِهِ في الحوار معهم كما فعل مع نصارى نَجران, وعفوُه عن مَّنْ تجرأ عليه حتى عن مَّن أراد قتله كما فعل بغورث بنِ الحارث, كلُّ ذلك ترجمة لخُلُق المسلم الحقيقي الذي يأبى الله تعالى إلا أنْ يجعل رحمتَه ممتدَّةً للعالمين بمنهج سيِّد المرسلين صلى الله عليه وسلم فلقد دعا عليه الصلاة والسلام لهم بالهداية وسأل الله لهم المغفرةَ مُبرراً بقوله: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لايعلمون) ثم رجا الخير في أصلاب من تأَبَّى وتَعَنَّتَ منهم فقال: (عسى أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولايشرك به شيئاً). والخلاصة أنَّ التعاملَ فيهم مع الله تعالى ومِن أَجلِه سبحانه وهو مسار الدعوة إليه المترجم بأنَّ المسلم لايكره الأشخاصَ لذواتهم بل يَكره كفرَهم وفسقَهم ومعصيتَهم وتقصيرهم بإرادة الهداية والخير لهم, أما تهنئتُهم في أفراحهم, وتعزيتُهم في أحزانهم فهو مِن خُلُقِ المسلم وحق الجوار عليه قِبَلَهُم وداخلٌ في مسار دعوتهم إلى الله تعالى بالحسنى وبالحكمة والتحبب. أما الرضى المبغوض في الآية فَعِلَّتُه واضحٌ كمونها في ذاتِ الآية وهي اتباعُ مِلَّتهم وهذا ما لم يقصدْه مسلمٌ حقيقي قطُّ في تعزيتِه المحزونَ منهم أو تهنئته في فرحه لقصده الإحسان ولعل منه أنْ نفهم حديث السيد الأعظم صلى الله عليه وسلم: (من آذى ذمياً فقد آذاني) فَهْماً مقلوباً بأنْ نُشيحَ بوجهنا عنه ونُضمر الشر له ونحيك المؤامراتِ ضده؟؟!! إذن فما الفرق بيننا وبين أهل الكيد والغدر وكيف ندعو إلى الله تعالى بذلك القصد الممجوج المردود عقلا ونقلا وكيف نفهم الخلق دين الله تعالى على حقيقته ومقصده السامي؟؟. في الختام أقول: أبداً لم تكمُنِ العلةُ في بيان الله تعالى, وإنما في مقلوب الفهم والأسلوبِ الكاسرِ لِمُرادِه السامي, فخيرُ سبيلٍ للوصول إلى معناه السليم منهجُ السيد الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لما عادَ غُلاماً يهودياً يجودُ بروحِه أحزنَه أنْ يَلْقى اللهَ على ما هو عليه من تخليط اليهود فلم يكن مِن أدب الإسلام ورحمته أنْ يدعه وظلامَه, بل أَصَرَّ على هدايته بتلقينِه كلمةَ التوحيدِ جلس إليه يحيطه بنور نظراته حتى أسلم الروحَ إلى بارئها مؤمناً فقامَ عنه آمراً مَن كان معه مِن الصحابةِ أنْ يجهِّزوه ليُدفن في مقابر المسلمين ثم خرج حامداً مولاه بقوله: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) وأصل الحديث في البخاري. فكن وارث النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله تفهمْ وتَغْنَمْ وتَسْعَدْ ويُسْعِدِ اللهُ تعالى مَن يشاء من عباده, ف(من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله) فاللهم اجعلنا هادين مهديين غير ضالين ولامضلين.