الفتوى رقم #56749
التاريخ: 09/05/2017
المفتي: الشيخ محمد الفحام
كيف أحافظ على إيماني
التصنيف:
الرقائق والأذكار والسلوك
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اني في بلد لا ارى فيه اكثر قلوب الناس الا وهي تعبد الاهواء لسان حالهم تنبئ مافي صدورهم ولا ارى الا والمال هو غاية اكثر من اراهم ان لم يكن اغلبهم الا قلة منهم.وما ان خرجت من منزلي صباحا مصقل القلب لاجل قوت يومي ومعاش اهلي لا اعود مساء الا وكم كبير من المعاص والذنوب ران على قلبي .فما ان تبت من واحدة اصابني ذنب آخر وانا اتوب من الاولة حتى اكاد اظن اني اسكر من الذنوب اذ يصل بي المطاف لا اعرف ذنبي ويهدد ايماني وما ارى اكثر الناس الا وايمانهم لا يتجاوز حنجرتهم لا استكبار بل جهلا ولا ارجوا ان احمل في قلبي على احدهم شرا .فامرني النبي صلى الله عليه وسلم ان اتعلم ديني منكم فيرحمكم الله ايها السادة ان تعلموني حديث سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه:اذا رئيت الناس ملجت عهودهم وقلت امانتهم واصبحوا هكذا-وشبك رسول الله في يديه-قال فماذا تأمرني ؟قال الزم بيتك وامسك عليك لسانك وخذ ماتعرف ودع ما تنكر والزم امر الخاصة ودع عنك امر العامة. واضعكم في الصورة ايها السادة انني فرد من عائلة اعمل لقوت يومنا فكيف لي ان احافظ على ايماني.
الجواب
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله, وبعد؛ فإنَّ حالَ العبدِ المؤمنِ في آخرِ الزمانِ حالُ الغريب بين أهله يُبتلى بالإيذاء ويُحرمُ الكثيرَ من حقِّه, لكنَّ إيمانه والتزامه يمنعانِه مِنَ الغلو أو الإسفاف في أيٍّ من المطالب ويدفعانِه للاستمساكِ بضوابِط الحقِّ مهما خُولِفَ فيها والسرُّ فيها قول السيد الأعظم صلى الله عليه وسلم: (..فطوبى للغرباء..) أي فكان زادُه في أجواء الجنة لأنَّ طوبى اسمٌ من أسماء الجنة, فأقول ياسيدي؛ فوالله لولم يكن للغريب المؤمن من موعودِ الحق إلا (طوبى) لكفاه فخراً.
أما الحديث: فهو فيما رواه الحاكم في صحيحه من حديث ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت الناس قد مَرِجَتْ عهودُهم, وخَفَّتْ أماناتُهم, وكانوا هكذا _وشبَّك بين أنامله_, فالْزمْ بيتَك, وأَمْلِكْ عليك لسانَك, وخُذْ ماتَعْرِفُ, ودَعْ ما تُنْكِرْ, وعليك بخاصة أَمْرِ نفسك, ودَعْ عنك أَمْرَ العامة)
هذا؛ وقد يَسَّرَ اللهُ تعالى عَرْضَ شَرْحِه _باختصارٍ وتَصَرُّف مناسبين_ من شرح الجامع الصغير للحافظ المناوي, فأقول وبالله التوفيق قال رضي الله تعالى عنه:
مَرِجَتْ عهودُهم: اضطربت واختلفت وفسدت أي بنقضها وخيانةِ أهلها.
وخفَّت أماناتُهم: ضَعُفَ عندهم حِفْظُ الأمانةِ حتى خانُوها.
وشَبَّكَ بين أَنامِله: أنامل أصابع يديه إشارةً إلى تموُّج بعضهم في بعض وتلبيس أَمْرِ دينِهم, فلايُعْرَفُ الأمينُ من الخائن, ولا البَرُّ مِن الفاجر.
فالزم بيتَك: يعني اعتزلِ الناسَ, وانْحَجِبْ عنهم في مَكانِكَ إلا لما لابُدَّ منه من حاجتِك وحاجة عيالِك أداءً لحقِّ مَن كلَّفك الله تعالى بإعالتهم, وبِقَدْرِ الضرورةِ والحاجةِ فذلك من الفروضِ التي لاتَسقط لأنها فرض عين.
عليك لسانَك: أي احفظْه وصُنْه ولا تُطْلِقْهُ إلا فيما لك لافيما عليك, ويصح أنْ يقال: أَمْسِكْهُ عما لايَعْنيكَ.
وخُذ ماتَعْرِفُ: مِن أَمْرِ دينِك أي الزَمْ فعلَ ماتَعْرِفْ كونَه حقاً من أحوالك التي تنتفعُ بها دنياً وأخرى فذلك ما يَصفُو للمؤمنِ الراضي في زَمَنِ الفِتَنِ.
ودَعْ ما تُنْكِر؛ مِن مُخالفاتِ الناسِ للشَّرعِ وذلك بالنَّظَرِ إلى تدبير اللهِ بهم بقلبك, واحمَدِ اللهَ إذ صرفَها عنك في وقتك, وتلطَّف في الأمر والنهي في رفْقٍ ولُطْفٍ وسكينةٍ, فإنْ قُبِلَ منك فاحْمَدِ اللهَ تعالى, وإلا فاستغفره لتفريطك, (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)
وعليك بخاصة أَمْرِ نفسِك؛ فاستَعْمِلْها فيما شرعَه سبحانه, وكُفَّها عن الْمَنْهي والْزَمْ أَمْرَ نفسِك, واتْركِ الناسَ ولاتَتَّبِعْهُم.
ودع عنك أَمْرَ العامة؛ أي كافةَ الناس, فليس المرادُ العوام فقط, فإذا غلب على ظنِّكَ أنَّ المنكر لايزول بإنكارك لغلبة الابتلاء لعمومه أو تَسَلَّطَ فاعلُه, أوخِفْتَ مَحْذوراً بسبب الإنكار فأنت في سعةٍ من تَرْكِهِ والإنكار بالقلب.
وفقك الله للرشاد والسداد والتزام هدي سيد العباد صلى الله عليه وسلم.