مميز
EN عربي

الفتوى رقم #56218

التاريخ: 30/01/2017
المفتي: الشيخ محمد الفحام

مطالب العبد المزينة بأدب المراقبة

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: لا يوجد أدنى شك بحكمة رب العالمين بتوزيع الارزاق على العباد ولا يوجد ادنى شك برحمة رب العالمين بعباده .لماذا توضع فينا الرغبة في الزواج رغم تأخر أسبابه وعدم تيسرها مالحل ماهذا الشعور البائس . جزاكمالله خيرا

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته, وبعد؛ فإنَّ ربْطَ قَلَقِك بالحكمةِ في ما قدَّر سبحانه, ثم عرضَك للتساؤل المشوش دليلٌ على الغفلة عن أساس ما خُلِقَ العبد مِن أجلِه والبعدِ عن محرابِ استثمارِ العبوديةِ للمعبودِ القائل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالتعامُل مع المعبود علاقةٌ بين العبد المملوك والربِّ المالك الذي (لايُسْأَلُ عما يَفْعُل وَهُمْ يُسْأَلُونَ) وذلك بحقيقةِ جلالِه وربوبيتِه, فالعقيدةُ الْمُرَقِّيَةُ والْمُعَرِّفَةُ هي العقيدةُ السليمة مِنْ زُغْلِ المطالبَةِ المزيِّنةُ صاحبَها بأدبِ الْمُراقَبَةِ الْمُطْلِعةُ إياه على جوهرِ العِزِّ أنَّه عَبْدٌ لِمَنْ جَعَلَ الخصوصيةَ في قربِه, والولايةَ الرِّضى بما قَضَى, والعَيْشَ الهانئَ في بُحْبُوحَةِ الأُنْسِ بطاعتِه لِيُثْمِر شُكراً على ما أَعْطَى _وهو مستغنٍ عن عباده_ فكم مِن عَبْدٍ أوتيَ مِن مطالب هواه وشهواتِه ما أوتي وهو أبعدُ الناس عن الشعور بالسعادة, والسرُّ أنَّه نَسِيَ مسلكَ السعادة الأبدية بشَغل قلبِه بأوهام السعادة الحسيَّة الآنية, ولو أنَّه فَهِمَ حكمةَ الحكيم فيما قَدَّرَ لَعَلِمَ أنَّ منعَه عطاءٌ وأنَّه يُعْطِي العبدَ ما يَنْفَعُه في العُقبى إنْ طلبَ خيرَه وصالحَه من الله تعالى في نظام المطالبِ التكليفيَّة أنَّه مُتَأَدِّبٌ بآدابِ الشرعِ الحنيفِ حَسْبَما كُلِّفَ وقَدْرَ إمكانِه الذي متَّعَهُ المولى به القائل وهو أَصْدَقُ القائلين: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) هذا؛ ولاأعني بذلك أنه ما ينبغي على الإنسان أنْ يسعى إلى مَطالبِ نفسِه ضِمْنَ حدودِ ما أَحَلَّهُ اللهُ تعالى!! لا! ولكنَّ القَصْدَ منه أنَّ الْمَرْءَ مُكَلَّفٌ من قِبَلِ خالقِه بما قَدَّره عليه, فإنْ رضيَ فلَه الرِّضى وإنْ سخِطَ فلَه السُّخط. نعم! لايخفى على أحدٍ محبوبُ المرءِ من الحياة الدنيا وأنَّ ذلك مِن نواميس الكون والحياة والإنسان ولكنَّ العبدَ العاقلَ يُدْرِكُ أنَّ حكمةَ الله في العطاء والمنع لايدانيها حكمةٌ وأن حكمته كامنة فيما قَدَّرَ, فالحبُّ للأشياء درجاتٌ غيرَ أنَّ أعلاها حُبُّكَ لما يُحِبُّهُ محبوبُك الأولُ ألا وهو ربُّكَ خالقُك الذي جعلك خليفتَه في أرضه وقَدَّرَ أنْ يكونَ مآلُكَ إليه وقد جَعَلَ سِرَّ السَّعادةِ في سِرِّ حياةِ الجسد ألا وهي الروح التي بها تشعر وبها تُحِبُّ وقد قال سبحانه: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) فجميلٌ أنْ يرتَقِيَ العبدُ إلى هذا الْمُسْتَوى مِن الفهمِ ليُدركَ حكمةَ الديَّان فيما يريد سبحانه, فيصان من حيرة الشك وضبابية الانشغال عما خلق من أجله. والآن تدبَّرْ هذا الدعاءَ النبويَّ: (اللهم وما رزقتني مما أحبُّ فاجعله قوةً لي فيما تحبُّ وما زويتَ عني مما أحبُّ فاجعله فراغاً لي فيما تحبُّ) فاللهم اجعلنا من ضنائن خلقك وذلِّلْ لنا صعابَ الوصولِ وحقِّقِ برحمتِكَ المأمولَ يا خيرَ مسؤول. مع الرجاء بصالح الدعاء