مميز
EN عربي

الفتوى رقم #54548

التاريخ: 30/06/2020
المفتي: الشيخ محمد الفحام

ما حكم تقبيل يد الصالحين

التصنيف: علم السلوك والتزكية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدي الشيخ محمد أنكر عليَّ أحدهم تقبيل يد الصالحين والعلماء وقال أنه لم يرد حديثا أن أحدا قبّل يدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أني موقن في أنه لا إشكال في هذا ولكن ليس لدي دليل فما الحكم . وأرجوا من جنابك سيدي أن تدعو الله لي أن يجمعني بكم ويرزقني صحبتكم فإني والله لأحبكم في الله ولكن المسافة بعيدة لكوني من حلب

الجواب

وعليكم السلام ورحمةُ اللهِ تعالى وبركاتُه أخي الكريم! أقولُ ابتداءً: أكبرُ الظَنِّ أنَّ الْمُعْتَرِضَ لا يَروقُ له ذلك لكنَّهُ لا يَكْفِي دليلاً، ثم إنَّ ادِّعاءَه عدمَ وجودِ دليلٍ على جوازِ تقبيلِ اليدِ دليلُ جهلِهِ، وأُضيفُ إلى ذلك أنَّ أَمْرَ التحريمِ والتحليلِ لا علاقةَ له بالْمِزاج, فَكَمْ مِنْ مُنْكِرٍ تَضَجَّرُ عند مخالفة الناس مِزاجَهُ وهواه, وتَرَدَّدَ في قبولِ الدليل بَحثاً عن سبيلٍ لِرَدِّ بِشَكْلٍ أو بآخرَ, وذلك مِنْ أَجْلَى الشواهِدِ على نَقْصِ الإيمان.

أما الأدلة فكثيرة غزيرة منها؛ ما رواه الترمذي وأبو داود حسن صحيح عن صفوانَ بنِ عَسَّال رضي الله تعالى عنه قال: قال يهوديٌّ لصاحبه اذهبْ بنا إلى هذا النَّبِيِّ، فقال صاحبُه: لا تَقُلْ نَبِيٌّ إنَّه لو سَمِعَكَ كانت له أَرْبَعةُ أَعْيُنٍ، فأتيا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلاهُ عن تِسْعِ آياتٍ بيِّناتٍ، فقال: صلى الله عليه وسلم: (لا تُشْرِكوا باللهِ شيئاً، ولا تَسْرِقوا، ولا تَزْنُوا، ولا تَقْتُلوا النَّفْسَ التي حرَّم اللهُ إلا بالحقِّ، ولا تَمْشُوا بِبَريءٍ إلى ذي سُلطانٍ لِيَقْتُلَهُ، ولا تَسْحَرُوا, ولا تأْكُلوا الرِّبا، ولا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، ولا تُوَلُّوا الفِرارَ يومَ الزَّحْفِ، وعليكمْ خاصةً اليهود ألاّ تَعْدُوا في السبت) قال: فَقَبَّلُوا يدَهُ ورِجْلَهُ .. الحديث

ومنها؛ ما أخرجه الترمذي وأبوداود بسند صحيح عن أمِّ أبان بنت الوازع بنِ زارع عن جَدِّها زارعٍ رضي اللهُ تعالى عنهم وكان في وفْدِ عبدِ القَيْسِ _الذين جاؤوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم_ قال: لما قدِمنا المدينة، فجعلْنا نَتبادَرُ مِنْ رواحِلِنا _نَنْزِلُ منها مُسرعين_ فَنُقَبِّلُ يدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ورِجْلَهُ..)

قلت: هذان الحديثان من جملة أدلة تقبيل يدِ رسولِ الله صلى الله عليه، ولكي لا يظن ظانٌّ أنَّ ذلك مخصوصٌ بالنَّبي صلى الله عليه وسلم _علماً أنَّ التَّخْصيصَ بلا مُخَصِّص باطل_ فدونك من أدلة تقبيل التابعين لِيَدِ الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما كان يَفْعَلُه ثابتٌ البُناني مع سيدنا أنسِ بنِ مالك رضي الله تعالى عنهما فيما رواه الحاكم وأبو يعلى ورجاله موثوقون عن جميلةَ أمِّ ولدِ سيدنا أنس قالت: كان ثابتٌ إذا أَتى أنساً قال: _أي أنس_ يا جارية! هاتِ لي طيباً أمسح يدي فإنَّ ثابتاً لا يرضى حتى يُقَبِّلَ يدي.

وعن ثابتٍ البُناني قال: كنت إذا أتيتُ أَنَسَاً رضي الله تعالى عنه يُخْبَرُ بمكاني، فأَدْخُلُ عليه، فآخذُ بيديه، فأُقَبِّلُها، فأقولُ: بأبي هاتين اليدَيْن اللَّتَيْن مَسَّتَا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأُقَبِّلُ عينيه، وأقول: بأبي هاتَيْن العَيْنَيْن اللَّتين رأَتا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.        

والآن تَدَبَّرْ معيَ الآن بيانَ الفقيهِ المحدث الرباني الإمام النووي عليه الرحمة والرضوان في كتابه الأذكار بعد سياقِه مثلَ ما ذكرتُ مِنَ الأدلة قال: إذا أراد تقبيلَ يَدِ غيرِه إنْ كانَ لِزُهْدِهِ وصلاحِهِ، أو عِلْمِهِ، أو شَرَفِهِ، أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يُكْرَهْ، بل يُسْتَحَبُّ، وإنْ كان لِغِناهُ ودنياهُ وثروتِهِ وشوكَتِه وَوَجاهَتِهِ عند أهلِ الدنيا ونحو ذلك, فهو مكروهٌ شديدُ الكَراهة.

ومعلومٌ أنَّ الفقيه لا يُقَرِّرُ حُكْماً فِقْهِياً إلا بدليل وذلك من قواعد معرفة حكم الدليل.  

وخذ في الختام هذه اللطيفة عن صحابيين جليلين من فقهاء الصحابة الكرام ومُحَدِّثيهم فيما رواه الحاكمُ وصحَّحه أنَّ زيدَ بنَ ثابتٍ رضي الله تعالى عنه صلى على جنازة، فقُرِّبت إليه بَغْلَتُهُ لِيَرْكَبَها، فجاء سيدُنا عبدُ الله بنُ عباس رضي اللهُ تعالى عنهما، فأَخَذَ بركابِها، فقال زيدٌ رضي اللهُ تعالى عنه: خَلِّ عنكَ يا ابنَ عَمِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابنُ عباس: هكذا أُمِرْنا أنْ نَفْعَلَ بالعلماء والكبراء، فَقَبَّلَ زيدُ بنُ ثابتٍ يدَ عبدِ الله, وقال: هكذا أُمِرْنا أنْ نَفْعَلَ بأهلِ بيتِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

اللهم! فَقِّهْنا في الدِّين وأَلْهِمْنا رُشْدَنا وارْزُقْنا الأَدَبَ مع عبادك الصالحين والعلماء الربانيين وأولياء الله أجمعين. ولا تنسني من صالح دعائك.