مميز
EN عربي

الفتوى رقم #53817

التاريخ: 28/10/2015
المفتي: الشيخ محمد الفحام

أهل البلاء .. أهل الاجتباء والاصطفاء

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم شيخي الفحام والله اني أحبك في الله ... إني أمر بحالة شديدة من اليأس والضيق من الحياة وحتى أصبحت يخطر في بالي أشياء أخاف أن يحاسبني الله عليها على عدله والثقة به... والسؤال كيف يعرف الإنسان أن الذي يمر به من الضيق بالحياة وعلى عدم حصوله على مراده انها عقوبة من الله على ذنوبه لإن ذنوبي كثيرة وعلى عدم محبة الله لي لإن أصبح عندي شعور أن الله لم يعد يحبني ؛أو يعتبر أن هذا الحرمان هو محبة من الله له وإمتحان لمعرفة صدقة رغم ذنوبه.. أرجوك داوي قلبي الحزين بكلامك الذي أعتبره بلسم له .. أرجوك أرجوك سيدي خصني بدعائك ..

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛ بدايةً أخي العزيز أَحَبَّكَ اللهُ تعالى الذي أحببتني فيه مع الرجاء بذُخْرِ تلك المحبة ليوم المعاد شفاعةً مقبولةً بين يدي ربِّ العباد تحت لواء سيِّد العُبَّاد صلى الله عليه وسلم, وبعد؛ فإنَّ استمرارَ البلاء على العبد شأنٌ جليلٌ يُدخل صاحبَه في زمرة الصالحين من أهل الصبر والاحتساب وربك القائل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) وفي الحديث الشريف: (أشدُّ الناس بلاءً الأنبياءُ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وفيه أيضاً؛ (يودُّ أهلُ العافية يومَ القيامة حين يُعْطَى أهلُ البلاء الثوابَ لو أنَّ جلودَهم قرِضَت بالمقاريض) أي لكثرة ما يَرى أهلُ العافية مِن عطاء وتكريم لأهل البلاء. إذن فأهلُ البلاء أهل الاجتباء, أهل البلاء أهل الاصطفاء, لأنهم على قَدَمِ الأنبياء في دنياهم, ومع الأنبياء في أخراهم. وعليه فلايأسَ مع معرفة حكمة الله تعالى فيما يُقَدِّرُ فإنَّ ثمرات ذلك التقدير يانعة نافعة منها؛ جزيل الثواب, ومنها؛ الستر ومحو الذنوب, ومنها؛ _وذلك أعلاها_ التعرُّف على المبتلي سبحانه وتعالى أنه أرحمُ بالعبد من نفسه بنفسه, وأنه ما قَدَّرَ عليه ما قدَّر إلا لأجل يقظته الناهضة أنه ما خلقه إلا لأجلِ معرفتِه فإنْ غَفَلَ زهَّدَه بما حولَه مِن قَيْدِ آسرةِ النفس ليستجليَ حقيقةَ المراد, وأنَّ الدنيا بما فيها من ابتلاءات ماهي إلا مركبُ عبور, لا محلُّ استقرار, وأن الركون إليها عين الغرور, وأن المآل والمعاد هو ما عليه المعوَّل؛ (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) فهذا هو الأصل لأنه في كلِّ الشؤون؛ (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) وأما احتمال كونه عقوبةً فإنَّ الله تعالى إذا أَحَبَّ عبداً عَجَّلَ له العقوبة غير أنَّ حكمةَ البلاء عقوبةً لفتةٌ, ثم نفحةٌ, ثم اجتباء واصطفاء, وأما إذا استمرَّ وتقلَّبَ من اختبار إلى آخر فهذا يعني أنَّ هنالك ثمراتٍ جليلةً تنتظر صاحبها في العاجلة وأنه سيقطفها ذلك العبدُ الصابر المحتسب الذي لما بلغ مقامَ الاضطرار بسبب البلاء قال: ياربِّ بكلِّ جارحةٍ من منطلق فؤادٍ عَلِمَ أنَّ له رباً ما أعطاه إلا رحمةً, وما منعه إلا حكمةً, ولسانُ حالِ العبدِ على الحقيقة هو لسانُ حالِ النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي لما اشتدَّ عليه البلاء قال مع طلب العافية (إنْ لم يَكُنْ بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي) ثم اعلم أنه لا يشتدُّ البلاء على العبد إلا إذا كان ذا خصوصيَّة لإبراز مقامِه من جهة, وليغدوَ أسوةً صالحةً للغير من جهة أخرى. لذلك طِبْ نفساً فإنك في عافية قد تُغْبَطُ عليها يوما من الأيام. بارك الله بك وأسعدَك بعاجلِ الثمر في قطافه مع تمام العافية والعفو, ولا تنس أن تخصَّني بدعواتك المباركة وفقك الله