مميز
EN عربي

الفتوى رقم #51817

التاريخ: 29/12/2014
المفتي: الشيخ محمد الفحام

الطريقة البودشيشية ومسألة الإذن بالأوراد

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته عليكم أهل الشام و أزال الغمة بفرج قريب من لدنه عز و جل ببركة و جاه مولانا رسول الله صلى الله عليه و سلم و آله و صحبه، و تابعيهم من الأولياء و الصالحين و على رأسهم مجدد الإيمان في هذا العصر شهيد المحراب محمد سعيد نفعنا الله ببركته. أما بعد فإلى سيدي محمد الفحام جزاه الله كل خير، فإني و صديق لي قد انتسبنا للطريقة البودشيشية بالمملكة المغربية، أولا سيدي أريد رأيكم صراحة فيها و بدون مواربة لأن الأمر أمر دين و النصيحة فيه جليلة الخطر، و نريد أن نطمئن على ديننا إن شاء الله تعالى، و إن كان لديكم سيدي خبرا عن رأي الشهيد السعيد في هذه الطريقة فانقلوه لنا زادكم الله نورا (و حبذا لو تقصيتم عن رأيه فيها إن أمكنكم ذلك، مع اعتذاري عن سوء الأدب معكم سيدي). هذا و سؤالي مرتبط بما سبق، و هو مسألة الإذن، الإذن في الذكر، و الشيخ المأذون، فهذا الأمر يحيرني، لأنه مبني على مجرد الثقة بقائله دون توفر دليل نقلي أو عقلي أو حسي عليه، و ليس هذا مما أخذناه عن حبيبنا الشهيد جعلنا الله رفقاءه في الجنة بمحض الفضل و التطول، ففي الطريقة السالفة الذكر يمنع المرء من الإلتزام بأوراد أخرى حتى و لو كان تعودها قبل الدخول في الطريق، و أيضا يتم إعلاء مقام الطريقة على سواها من الطرق لأن شيخنا حفظه الله، شيخ مأذون، حسب قولهم، فشتان ما بين المأذون و غيره، فكيف يستقيم هذا الأمر ؟ و هل لا بد لكل العالم الإسلامي أن يتبع طريقة شيخنا في المغرب ليكون على صواب ؟ أعتذر على الإطالة لكن حتى طريقة حديث مريدي الطريقة عن الشيخ و التسليم و التأدب في تقبل كلامه كله على أنه مأذون، كل هذا يخالف ما فهمناه حتى الآن عن ديننا الحنيف، فهل نحن مخطئون سيدي ؟ أعرف بأننا مقصرون و أن نور الله لا يهدى لعاصي، لكن الأمر يشوش علينا مزاجنا، و يفقدنا برودة الإطمئنان إلى صوابية الطريق. و أسأل الله لكم سيدي دوام العافية و الغنى عن الناس

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته, وبعد؛ أخي الحبيب بارك الله بك وأسعدَك بما يحب عنك, الذي أعلمُه عن تلك الطريقة أنَّ شيخَها الأعلى سيدي علي بن محمد بودشيشة يتصل نسبُه بقطب زمانه سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى فهي متفرعة أصلاً عن تلك الطريقة المعروفة بنظامها الرصين وعلم علمائِها الغزير, وبُعْدِهم عن البدع, وارتباطِهم بالمعين الأول للطريق سيدي الإمام الجنيد رضي الله تعالى عنه. هذا؛ وقد اتفق جُلُّ شيوخها ممَّن تُرجموا على نقاوة تعاليمها, واستمساكها بثوابت الكتاب والسنة. أما أورادهم فطالما أنها مرتبطةٌ بإذن الشارع فلا ضيْرَ على الإطلاق بل إنك لو استقرأتَها لوجدتها مجموعةَ أدعيةٍ من ألفاظ الكتاب والسنة وما يشبهها من أدعية الصالحين الداخلة في عموم الحثِّ على الدعاء وطلبه, والذكر والإكثارِ منه. أقول يا سيدي _نعم؛ ومن غير مواربة_ بأنَّ منطلقَ الطُرُقِ نبعُ السنة المباركة وهذا ما عهدنا عليه مشايخَنا في بلادنا الشامية أنَّ أصولها التزكيةُ المأخوذة من دعوةِ النقل في بيان الله تعالى(يُزَكِّيهِمْ) والذكر بأنواعه المأخوذة من بيان الله تعالى (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيرا) ودوام التوجيه تربيةً المأخوذة من هدي النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في منهجه مع أصحابه الكرام رضوان الله عليهم. هذا؛ وقد استخلصوا من روح الأدلة تلك شروطَ المربي فقالوا: ركائز أهلية التزكية والتربية والصحبة لدى الشيخ ستة؛ 1_ "علمٌ صحيح" أي العلم بأحكام شريعة الله تعالى. 2_ "ذوقٌ صريح" إشارة إلى سلامة الفطرة بسلامة العقيدة. 3_ "همة عالية" إشارة إلى ألق الروح وما الجوارح إلا تبع لسر الحياة لسر الحياة فيها ألا وهي الروح 4_ "حالة مرضية" إشارة إلى واقع الحال الذي هو من منطلق المقامات كالتقوى والورع والزهد..... 5_ "فراسة صادقة" إشارة إلى بصيرته النافذة بصفاء قلبه ونقاء سريرته وحُبِّهِ الخيرَ للخلق لأنه بذلك ينظرُ بنور الله تعالى. 6_ "إذن من مرشد" توفرت فيه تلك الشروط رأى فيه أهلية التربية والتزكية والدلالة على بضاعة الرحمن. وأنت ترى أنها ثوابت لا يختلف على أحقيَّتها عاقلان. وأما سؤالُك عن مسألة الإذن فإنَّه في منظور أهلِ الله مجرَّد توجيه تربوي بناءً على معرفةِ أهلية المريد وإمكانه على الاستمرارية في سبيل الطريق وهذا له أصل في منطلقات الصحبة التي من أهمّها التناصح فقد يرى الشيخ المربي بثاقب نظره أنه لو أثقل على المريد ببعض المهام السلوكية لنَفرَ, وربما عَجَزَ وليس هذا من شؤون التربية بل الشأن الأساس هو أن يسادد ذلك المربي ويقارب لنهضة قلب المريد, ثم لنعلم أنَّ قضية الدعوة إلى الالتزام بكلام المربي ليست قضيةَ إمعيّة العِماية أو الجهالة معاذَ الله وإنما هي قضيةُ نهضة بمَن أحبَّ لإخوانه ما أحب لنفسه لأنَّ أصلَ المراد من مهمة التسليك كلِّها أنْ يُعَرِّفَهُ بربه ثم يقول له ها أنت وربك. وكلُّ ذلك ضِمْنَ ضوابطِ الأوامر الإلهية والأحكام الشرعية فإنْ رأيت خلاف ذلك فاعلم أن ذلك خروجٌ عن ثوابت الطريق وأصوله, وأنَّ المخالفة دليل ُهوى النفس فعندها لك بل عليك أنْ تحْذَرَ وتُحَذِّر. أما سؤالُك عن رأي سيدي الشهيد السعيد فاعلم أنَّ توجُّهَهُ رحمه الله تعالى كان حيالَ الطَّرُق بأكمَلِها توجُّه التربية السلوكية على منهج السلف الصالحين الأوائل ممن أبرز الله تعالى فيهم وجدانيات هذا الدين بمقام الإحسان على بصيرة ودراية وسلامةٍ في العقيدة ووضوح في المنهج بوعاء نور المكارم النبوية كالجنيد وغيره, بل ما كان عليه الرحمة والرضوان إذا سئل عن طريقة باسمها يُعوِّل على الاصطلاح بل على المنهج المذكور وكان كثيراً ما يألفُ اصطلاحاً كلُّياً جامعاً على ذلك بقولِه التربية السلوكية. فخذ رعاني الله وإياك تلك الأُسُس ميزاناً وزِنْ عليه كلَّ ما ترى وتسمع وتعلم فإنْ رجَحَتِ الكِفَّة فتمسَّك بأذْيال صاحبه واتَّبِعْه فإنه على الهدى ودين الحقِّ لأنه شرعُ الله تعالى وهديُ حبيبه ومصطفاه, وإلا فإياك وإياه لأنه إذا نهَجَ ما يخالف حكمَ الله تعالى فهو اتباعٌ للهوى, ومن اتبع الهوى فقد هوى وفقك الله تعالى ورعاك وسدَّد خطاك, ولا تنسني من دعواتك المباركة.