الفتوى رقم #46792
التاريخ: 17/06/2014
المفتي: الشيخ محمد الفحام
سبيل الوصول إلى الافتقار إلى الله في الشدة والرخاء
التصنيف:
الرقائق والأذكار والسلوك
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ; مشكلتي اني لا الجأ إلى الله إلا عندما اشعر اني احتاجه بمعنى اني اني لا ادعو الله سبحانه وتعالى الا لأمور الدنيا ولا غير ذلك الا ما ندر...لا اشعر بطعم الصلاة ولا طعم الصيام ولا طعم اي عبادة اقوم بها والحمد لله اني ملتزم بجميع الفروض ولكن مقصر في صلاة الصبح .. لا ادري كيف اشرح الأمر ..مثالا على ما اقول.. اذا احتجت لأمر معين ابدأ بالاستغفار والذكر على نحو كبير واشعر ان قلبي اصبح رقيقا وتدمع عيني اثناء تلاوة القرآن اشعر بإيماني وبذل العبودية الى الله تعالى والح بالدعاء لهذا الأمر الدنيوي ..وما ان ينقضي الأمر بتحققه او بصرفه عني حتى اعود كما كنت.. وعندما ادعو لأمر من امور الآخرة لااشعر ان هذا الدعاء من قلبي ولا اجد به الإلحاح الذي اجده في امر الدنيا.. اشعر انه لا يوجد شيء لأطلبه من الله ومن هنا ابدأ بالتراخي بالعبادة والقيام بواجباتي الدينية بطريقة روتينية خالية من اي روح او لذة... لا ادري هل هذا نفاق؟ ام ضعف في الايمان ؟ ما ذا افعل حتى اشعر بدوام حاجتي الى الله؟؟ وكيف ابقى ممسكا بحبل الله؟؟كيف اشعر ان الله يراقبني دائما عندما اعصيه وكيف يكون حاضرا في قلبي ؟؟ اعتذر عن الاطالة ولكنه امر قد ارهقني كثير حتى صرت اشك في اصل ايماني ..نفعنا الله بكم وزادكم علماً
الجواب
عليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته, أخي المبارك ليست المشكلة فيما ذكرت من حال اضطرارك فإن مقام المضطر قد ذُكِرَ في القرآن ورُتِّبَ على حاله الإجابة, ولكنَّ المشكلة في الغفلة عما خُلقنا من أجله ذلك المعنى المتجسد من قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) والحلُّ يكمن في الانتظام ببرنامج تربية سلوكية عبر صحبة مربٍّ يُنهضك حالُه ويدلُّك على الله مقالُه مربٍّ صاحب علم صحيح وذوق صريح معروف بالصلاح مشهور بالتقوى ينصح لله ويحب الخير لعباد الله عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي) لما في ذلك من سريان الحال بنور الصحبة الطيبة فالصاحب ساحب
ثم بالاستقامة على برنامج العبادة في تكامل 1_ الصلاة على وقتها مع أورادها وختمها على الدوام بالدعاء 2_ أدعية الصباح والمساء دون انقطاع 3_ الاستقامة على تلاوة القرآن ولو بربع جزء ابتداءً.
فإن كلَّتِ النفس وكسلت فلا دواء لها سوى الاستقامة والإصرار بعدم الترك أي في مخالفتها لما تحب من الدعة والخمول فرأسُ العبادة مخالفة النفس, وهذا ما يسمى بالمجاهدة حتى تألَفَ النفس ذلك, وحينها تجد نفسك على أعتاب قطاف ثمر الاستقامة بمنهج المجاهدة وبشهود تجليات الحق سبحانه كعلامة على الكرامة في الاستقامة, فترتقي في معارج ما خبأه الله تعالى لعبده الذي ما خلقه إلا ليُعَرِّفَه, وما عرَّفه إلا ليشرفه بأنس قربه.
هذا؛ ولا قلق من الشعور بالخمول ما دُمْتَ على استقامتِك, فإنه حال يعتري كلَّ أحد فعُدَّه نوعَ ابتلاء لا يَكْسِرُه إلا الالتزام, وإياك والشكَّ في أصل الإيمان فإنه بابٌ شيطاني, ثم اعلم أنَّ خوفك وقلقك دليل عافية إيمانك فلا ارتباط لما ذكرت بالنفاق لأنَّ النفاق شأنُ من يبطن خلافَ ما يُظهر, ولا علاقة له بلفظ الإيمان ذلك أنَّ الكَيْسَ والعجز أمران مقدوران ابتلاءً واختباراً.
تذكَّر _وأنت متلبِّس بِصَخَبِ الحياة_ دوامَ حاجتك إلى نعمتي الإيجاد والإمداد من مولاك, فهما حقيقتان لا تغيبان عن ذهن العاقل المتبصِّر لواقع التجدُّد الدائم في امتداد الحياة, ولك أن تُطْبِقَ نَفَسَكَ أقلَّ من دقيقة مع غَلْقِ العينين عن الرؤيةِ والسمعِ عن الإصغاءِ لتدرك معنى تلك الحقيقة التي لا تُتَرجِمُ إلا دوام الصلة بين العبد وخالقه عبرَ سرِّ الحياة الحقيقية "الروح" تلك التي لما كان لها أعظم الجلال والخصوصية استأثر الحق سبحانه وتعالى بسرها. تأمَّل لقمة الطعام وأنت تُدخلها البلعومَ فلا تخطئ اتجاهها بالدخول إلى مجرى النفس فتتوقف الحياة فجأة, ثم تفكر كيف تنطلق مأمورة باتجاه المعدة فتتوزع في اتجاهات متضادة لا تخطئ هدفَها ليبقى بأمر الله تعالى ما ينفع ويخرج عن الجسد ما يضر. أصغِ إلى دقَّاتِ قلبك المنتظمة وهي تضخ دماء الحياة في أرجاء جسمك عمرَك كلَّه ثم تذكَّر مرحلةَ ما بعد الموت كيف أنَّ للعبد امتداداً لحياةٍ بتغيُّر جديد كنتيجة لمقدمةِ حياته الدنيوية.
تأمل شأنك وأنت مُسْلِمٌ نفسك لربك بالنوم مع تدبر دعاء النوم (اللهم؛ إني أسلمت نفسي إليك, ووجَّهت وجهي إليك وألجأت ظهري إليك رغبةً ورهبة إليك, اللهم؛ لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت صلى الله عليه وسلم) ثم تدبر قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
كيف أنك يومياً تُبعث من جديد ذاكراً ربَّك مجدِّداً عهدك معه سبحانه أليس منهج المراقبة منهجاً إلهياً؟ بلى وربك لأنك على ثوابته من اللوازم. أقول يا سيدي: يعينك على ذلك التدبرُ لبيان الله تعالى وأنت تتلوه فإنَّ تحت كلِّ حرف ظاهراً وباطناً وحَدّاً ومطلعا.
ختاما؛ أخي الطيب يكفيك حرباً للشيطان وإرضاءً للرحمن ما التزمتَ بمنهج المولى سبحانه مفوِّضاً أمرك إليه موقنا بلطفه وواسع رحماته فلا تثريب عليك. مع الرجاء بالدعاء.