مميز
EN عربي

الفتوى رقم #4578674

التاريخ: 10/06/2020
المفتي: الشيخ محمد الفحام

نعيم القبر وعذابه .. قبل يوم الحساب؟!

التصنيف: العقيدة الإسلامية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الله يجزيكم الخير.... سؤالي لو سمحتم، عن عذاب ونعيم القبر... من المعروف أن يوم القيامة هو يوم الحساب ، حيث يحاسب الانسان على كل صغيرة وكبيرة، ويستلم كتابه ويعرف مصيره، جنة أم نار... بالنسبة لعذاب القبر، لا بدل على مصير الانسان، لأن من يتعذب في قبره، ربما يدخل الجنة يوم القيامة، وخاصة أن بعض العلماء قالوا أن عذاب القبر ربما يكون تكفيرا لبعض الذنوب... ولكن ماذا بالنسبة لمن يتنعم في قبره ، فمن الطبيعي أنه لن يتعذب في الأخرة، والا فما معنى نعيم القير وما فائدته؟؟؟؟.... وهذا يعني أنه عرف نتيجة أعماله وهو ما يزال في عالم البرزخ..... ألا يتناقض هذا مع أن يوم القيامة هو يوم الحساب، ولا يمكن لأحد أن يعرف نتيجة أعماله قبل ذلك ؟؟؟؟؟

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته, وبعد؛ اعلم أخي الكريم! أنَّ قيامةَ العبدِ تبدأُ بِنُزولِ القبرِ بدليلِ قولِه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الترمذي بسند حسنٍ مِنْ حديثِ عثمانَ ِبن عفَّانَ رضي اللهُ تعالى عنه الذي كان إذا وقَفَ على قَبْرٍ يَبْكِي حتى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فقيل له: تَذْكُرُ الجنَّةَ والنَّارَ فلا تَبْكِي, وتَذْكُرُ القبرَ فتَبْكِي فقال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (القبرُ أوَّلُ مَنْزلٍ مِنْ منازِلِ الآخِرَةِ, فإنْ نَجَا منه فَما بَعدَه أَيْسَرُ, وإنْ لم يَنْجُ منه, فَما بَعْدَهُ أَشَدُّ منه)

قال: وسمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (ما رأيتُ مَنْظَراً قَطُّ إلا والقَبْرُ أَفْظَعُ منه)

والأحاديثُ في ذلك كثيرةٌ مُسْتَفيضةٌ كلُّها بمجمُوعِها تُشيرُ إلى أنَّ القيامةَ قيامتانِ صُغرى وكُبرى فالصُّغرى هي المتعلقة بالفرد مِنَ الْمُكَلَّفينَ, والكبرى هي المتعلقةُ بعامَّةِ المكلَّفين الْمَبْدوءَةُ بالحَشْرِ والنَّشْرِ والسُّؤالِ, ولا غَرابَةَ في ذلك, لِعِلَّةِ أنَّ قيامةَ العبدِ الفَرْدِ بَدأَتْ في حياتِه البرزخية التي بها تَجاوَزَ مَرْحَلَةَ العمرِ التَّكْليفيِّ كلِّه, ومعلومٌ أنَّه ما بعد التكليفِ إلا السؤالُ بمراحِلِهِ التي قَدَّرَها اللهُ تعالى بَدْءَاً بسؤالِ القبر عبر الملكين مُنكر ونكير, وانْتهاءً بالجنة, أو النار أعاذنا الله منها ومِنْ سُبُلِ مَزالِقِها.

وواضحٌ مِنْ حديثِ عثمانَ أنَّ ذلك التَّدَرُّجَ لِحِكْمَةٍ أرادَها اللهُ سبحانه, وهي أنَّ في بَدْءِ البِشارةِ مِنْ نُزولِ القبرِ لأَهْلِ الإيمانِ تُحْفَةً مخبأةً بِبَرَكَةِ زيادةِ إيمانِهم الذي بدوام زيادته يُنْجِي صاحبَهُ إلى أنْ يُدْخِلَهُ الجنة, وبالمقابل هو تَنْبيهٌ وتحذيرٌ لأَهلِ الجحودِ وكُفرانِ النِّعَمِ أنَّ قيامةَ المرءِ أَقْرَبُ إليه مِنْ شِراكِ نَعْلِهِ, لذلك تَجِدُ ذلك جَلِيّاً في بيانِ اللهِ تعالى القائل: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)

وعليه؛ فلا تَناقُضَ إذا أَدْركنا حكمة الله تعالى في أن الأمر يتدرَّجُ من الأدنى إلى الأعلى, ومِنْ جانِبٍ آخرَ أنَّ التَّخفيفَ مُتَعَلِّقٌ بمَنْ ماتَ على الإيمانِ مُقَصِّراً, وهذا مِنْ خصائِصِ الأمةِ المحمَّديَّةِ أنها تَنْتَفِعُ بالزائرين والداعين والمستغفرين والمتصدقين, ومن جانب ثالث؛ أنَّ المؤمنَ العاصيَ لا يُخَلَّدُ في النار بعد ذلك التخفيف, بل ربما شملَهُ عفوُ الدِّيان يومَ الحساب أيضا بشفاعة سيد ولد عدنان عليه الصلاة والسلام, نعم! إنه سَيُسْأَلُ, وهذا مِنْ شؤون المولى الجليل الذي: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) وكذلك أيضا من شؤونه وهو الرحيم الرحمن سبحانه أنْ يخففَ عن عبدِه بسبيلٍ أو آخرَ عَبْرَ تلك المراحلِ التي ذكرنا. والله تعالى أعلم