مميز
EN عربي

الفتوى رقم #4445474

التاريخ: 05/10/2020
المفتي: الشيخ محمد الفحام

مفاهيم ينبغي أن تصحح حول تعجيل العقوبة في الدنيا

التصنيف: العقيدة الإسلامية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل الاستنباط التالي صحيح "كلما قوي ايمان العبد عجّل الله العقوبة له على ذلك الذنب، وكلما ضعف الايمان بَعُدت العقوبة فيصبح من الصعب على العبد استيضاح المعية الالهية معه مما يؤدي لتدهور الحالة الايمانية للعبد." ولكم الشكر 

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وتعالى وبركاته، أخي الكريم! ليست هي قاعدةً مطَّردة، ذلك أنَّ الأَصلَ في مقابَلَةِ الأعمالِ الثوابُ أو العقابُ يومَ الحساب.

وعليه؛ فلا علاقةَ لقوَّةِ الإيمان بتعجيلِ العقوبة ذلك أنَّ قويَّ الإيمانِ في رحابِ نورِ الزيادةِ الإيمانيَّة المباركة التي تُرَقِّي صاحبَها إلى مقامِ اليقين الذي يجعل صاحبه على مستوى جليل من الصلة بربه سبحانه وتعالى.

وكذا لا علاقةَ لِنَقْصِ الإيمان بتأخير العقوبة أو تعجيلها ذلك أنَّ الرحمةَ الإلهيَّةَ هي المظلة التي يتفيأ ظلالَها العِبادُ جميعاً من سابقين ومُقصِّرين ولاحِقِين إضافة إلى أنَّ مولانا بواسع رحمته يمهل المقصِّر لعل يتوب أو يؤوب.

ثم إنَّ المحفوظ على الألسنة قولهم: [إذا أحب الله عبداً _أي: على العموم_ عَجَّلَ له العقوبة] والمعنى؛ أنَّ تعجيلَ العقوبة قد يكون كفارة عما اقترفت يداه وهو غافلٌ عن التوبةِ والعودِ الحميد، غير أنها ليست قيداً ذلك أنَّ العبدَ إذا أتْبَعَ السيئةَ الحسنةَ تكفيه كفارةً، وكذا إذا شفع عصيانه سريعاً بتوبةٍ صادقةٍ واستغفارٍ كثير محا الله تعالى سيئته كما في ورد في الحديث الصحيح: (وأَتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها) هذا؛ ولعل المعوَّلَ عليه في الكُلِّ يَقْظَةُ العبدِ في تعامُلِهِ مع الربِّ سبحانه فإذا غَفَلَ وأَحَبَّ اللهُ تعالى أنْ يَخُصَّهُ بشيءٍ مِنْ رحماته خَصَّهُ _حكمةً_ بما يُصلِحُه لِيَرُدُّهُ إليه _وهو سبحانه وتعالى أعلم_ وقد قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ؟؟

مِنْ جانِبٍ آخرَ؛ قد يَبْتَلِي اللهُ العبدَ الْمُقَرَّبَ لترقيته من جهة وكونه أسوةً صالحةً من جهة أخرى لا سيما للغافلين لعلهم يشهدونَ مَظْهَرَ الرِّضَى عن اللهِ تعالى فيما قضى على أحبابه وأوليائه، وليعلموا أنَّ غَمْرَةَ السعادةِ لا تَتَحَقَّقُ إلا بالرِّضَى عن اللهِ تعالى فيما يريد وأنَّه عينُ السُّرورِ لأَنَّه قضاءُ اللهِ تعالى، وهذا ما هو ظاهرٌ واضِحُ المعالِمِ عند الربانيين ولسانُ حالِهِمْ دائماً يقول عند كلِّ مقدور [أمراً أحبه الله فأحببناه] لذا ففي ما استَخْرَجْتَهُ مِنْ مَدْلُولِ الحالَةِ الإيمانيَّةِ لِلْعَبْدِ بِعَدَمِ اسْتيضاحِ الْمَعِيَّةِ الإلهية مغالطةٌ وخَلْطٌ لِمَفْهوم الدَّليل، ذلك أنَّ المعيارَ في زيادةِ الإيمانِ ونَقْصِهِ وتحقيقِ الْمَعِيَّةِ الإلهية إنما هو التقوى لا في تعجيل العقوبة أو تأخيرها، ولا في الابتلاء أو العافية، وهنا يجدر السؤال: تُرَى ألم تَتَدَبَّرْ بيانه تعالى: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) وذلك بعد فَهْمِ عُمْقِ القَصْدِ مِنْ بيانِه الجليل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)

أقول في الختام؛ إنَّ رؤيةَ الإسلامِ لِلشُّؤونِ التكليفية لا يمكن تكاملها عند العبد إلا بشهوده صورتَهُ على الجزء والكلِّ، فكثيرٌ مِنَ النَّاسِ مَنْ يحجبون عن حقائق الدين الحنيف بِمِثْلِ تلك المغالَطاتِ إلى أنْ يقعوا في إسار ما هو أشدُّ خطورةً ألا وهو الشَّكُّ في حِكْمَةِ الله تعالى، وجميلٌ أنْ نَسْتَعْلِمَ عن عما يشكل ونستفسر عن مجلو حكم الله تعالى، فشفاء العيِّ السؤال. والله الهادي إلى سواء السبيل.