مميز
EN عربي

الفتوى رقم #43612

التاريخ: 22/11/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

كيف أزكي قلبي من الأوصاف المذمومة

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته انى ارفع هذا السؤال الى مشايخنا الكرام اني اريد شرحا وافيا شافيا للعليل مثلى لبعض المشكلات وهو كيف أزكى قلبى من الأوصاف المذمومة كالرياء والعجب وحب الجاه والدنيا والحسد وغير ذلك. أفيدكم بأننى موظف الحكومة ومع ذلك حضرت دروس منهاج العابدين و شرح الشرقاوى على الحكم كل واحد منهما مرة فى الأسبوع. فهل يكفيني ذلك فى تطهير القلب أم لا؟ اذا قلتم " لا " فهل أحتاج إلى المجاهدة ققط أو إليها وتربية مرشد معا؟وإذا قلتم بالثانى فهمت أن أخذ شيخ مرشد واجب شرعا للقاعدة ما لا يتم به الواجب الا به فهو واجب...يصح هذا الفهم أم لا؟ أفتونى مأجورين

الجواب

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الكريم؛ من المعلوم والمعقول أن تشخيصَ المرض مدخل جليل من مداخل الشفاء الناجع, وسبيلٌ وجيه من سُبُلِ الوقاية النافعة فمَن أراد الله به خيراً بصَّره بعيوب نفسه وشغله بإصلاحِها عما لا يَعْنيها, وفي الأثر (من علامة إعراض الله عن العبد اشتغالُه بما لا يعنيه) (ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه) ومن رأى من نفسه التقصير دائماً داوم على إصلاحها, والعاقل من استشعر ذلك لجلالِ المعبود والعجز عن أن نقدُره قدرَه جلَّ في علاه ذلك أنَّ عِلَّةَ الحجاب عن رب الأرباب هي الغفلة عن فضاء التوحيد في التفريد بالاستكبار, وإني لأحمد الله لك أن عافاك سبحانه عن ذلك بدليل الاستنصاح والاستدلال, فإنَّ المستكبرَ صاحبُ أسوأ خُلِقٍ لما فيه من خلط المفاهيم وإفساد الطيِّب بالخبيث وحرمانه النفع المنشود في نظام السلوك السليم فتتعثر لديه الأعمال, وتنعدم الآمال ولا يبوء في الختام إلا بالخسران والوبال. أخي المبارك؛ لتزكية القلب مسالكُ عدة من أهمِّها وأكثرها نفعاً؛ 1_ معرفةُ حقيقة القلب وما خُلق من أجله وأنَّ جوهر السلامة فيه أصلٌ والرّانُ عليه عرضٌ يزول بكثرة الذكر وتلاوة القرآن يقول صلى الله عليه وسلم: (إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤها ذكر الله وتلاوة القرآن). 2_ تذكر الحكمة من خلق العباد ودعوتهم للتوحيد الخالص 3_ الوقاية من أسباب الشرك الخفي بوقفة التأمل والتدبُّر لقوله تعالى: (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ). أن المدَّعي لما ليس له ساقطٌ مِن عين الرحمة الإلهية إذ أنه سارقٌ نفسَه من نفسِه, ينسب إليها التوفيق والموفِّقُ الله, ويدَّعي الفلاح والمعينُ الله فيحسد الغيرَ على ما أعطاه ربُّه وهو غافلٌ عن سنة الله في عباده أنَّ ما أصابهم لم يكن ليخطئهم, وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم. 4_ فَهْمُ حقيقة الدنيا أنها مَعْبَرٌ للوصول بمركب الأعمال الصالحة لا مُسْتَقَرٌ, وأنها لو كانت ظرفَ استقرار لما غاب للرحيل القرار, وهل بلغك أنَّ عاقلا يُسْلِمُ قلبَه لمن لا يملك وهل بلغكَ أنَّ حكيما يُحَكِّمُ دارَ الغرور بنفسه يقول سبحانه:(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).توصيف حقيقي لحقيقة الدنيا إذا ركَنَ العبدُ إليها وفاتَه واقعُ زوالها لذا دعاك الله سبحانه إليه من منطلق حكمة الابتلاء بها لتسمو عنده بعظيم القرب لذا قال بعدَها (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) تأمّل قوله سبحانه (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) تجد أنها دعوة منه عزَّ وجل إلى العمل الخالص له بتوحيده واتباع رسله صلى الله عليهم وسلم أجمعين الداعين إلى ذلك المقام المعرفي. ذكِّر تلك النفس لحظة خيلائها وتيهها أنها بعُجْبِها تلبَس لباس زور وتدعي ما ليس فيها فتسقط سقوطاً يهوي بها إلى سحيق ظلمة باطن الإثم بنتيجة الخسران المبين وهل أخطر من أن يفقد المرء حبَّ الله والقربَ منه جلَّ في عُلاء لذا أيضا تأمل معي قول المولى سبحانه بعد تلك الدعوة المباركة (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) وعليه؛ فمن أدرك الله أدرك كل شيء ومن فاته اللهُ فاته كل شيء وما عَرَفَ اللهَ حق المعرفة ولاوحَّده خالص التوحيد مَن شَغَلَ قَلْبَهُ بشيء سواه وهو يحفظ بيانه الجليل (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى) (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) 5_ زيارة القبور بطريقة راتبة لاستحضار الاستعداد ليوم الرحيل عملا بقول الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة ) 6_ شهود الجنائز والمشاركة بمقاطع سننها بدءاً بالتلقين وانتهاءً بالدفن مع وِقفة التأمُّل بعين البصيرة الحالَ الذي يعتري العبدَ بعد إهالةِ التراب وهو في حسرة الخسران لسوء ما قدَّم, أو حسرة الحرمان من الاستزادة لما خُلق من أجله. 7_ الإكثار من الذكر بالتزام الأوراد عبر الأوقات الشريفة ما أمكن لاسيما الفجر والعصر وسهام السهر. 8_ المذاكرة وهي متابعة عرض التقلبات النفسية بين يدي مربٍّ رباني تجد قلبك عنده صاحب علم صحيح وذوق صريح. 9_ تعويد النفس على الخروج من إطار العادات فقد قال أهلُ السلوك أفضل عادة أن لا يكون لك عادة, والقصد من هذا كسرُ النفس بمخالفتها لما في ذلك من الخروج عن مألوفها ومُسْتَعْذَبِها للوقوف في محراب التَجَرُّدِ المعين على طاعة المولى سبحانه من غير شاغل. 10_ مع كل عبادة كثرة الاستغفار بشهود الغفار خضوعاً بين يدي رحمته للاعتراف بفضله وكرمه, وبالشكر والحمد أن ارتضانا وعاءً لطاعته فسترنا بأنوارها, وجمَّلنا بضيائها, وأنها أعظمُ نعمة أنْ خلق وقدَّر ونسب إلينا. ما يُعين على ردِّ الحق إلى صاحب الحقِّ سبحانه, وعندها يدرك العبد المتجرد حقيقةَ إفلاسِه ونقائصه لولا سترُ ربه, ولسانُ الحال يخاطبه ؛ عبدي لو يعلمون ما أعلم لما جالسوك. 11_ الصحبة الخيِّرة لنوعين من الصالحين, المربي الرباني والأخ الوجداني, فالأول؛ من توفرت فيه شروطُ التربية والتي خلاصتُها قوةُ التأثير بالحال قبل القال, وغزو القلب بالوجدان من غير استئذان, ورعايته بنور العرفان مراقبةً للديان وشهوداً على العيان. والثاني؛ مَن توفَّرت فيه شروط الأخوة من الصدق وحُبِّ الخيرِ للغير والنصح الدؤوب على قاعدة صديقُك مَن صَدَقَكَ لا مَن صَدَّقك, وعلى نظام الحكمة العطائية "مَن يُنْهِضُكَ حالُه ويَدُلُّكَ على الله مقالُه", وهذا الأخيرُ هامٌّ جداً ذلك أنَّ لقضيةِ التَّلَقِي ارتباطاً وثيقاً بتجانس الأرواح, نعم! الدرسُ ضروريٌ ولكنْ لا يكفي ولا يُغْني مِن غير صحبة, ولا أدلَّ على ذلك من وجود الصحابة الكرام وارتباطهم الوثيق بالسيد الأعظم صلى الله عليه وسلم, والتابعين وارتباطهم الوثيق بالصحابة رضي الله عنهم أجمعين, وكيف أنه أثمر منهجاً ربانياً أغنى الأمة وبقيَ الأصلَ المتقدمَ إلى يومنا هذا, فالدرس والكتاب من غير ارتباط بناصح أمين نفعهما نسبي, فإذا ارتبطتَّ بمَنْ يدُلُّكَ على الله ويذكِّرُك ويوجِّهُكَ ويُعينُكَ على نفسك آتى أكُلَهُ كلَّ وقت وحين, وأثمرَ يانِعَ الثمر بالنفع التام والنماء العام. هذا؛ وإني أشاركك الرأيَ بل مفهومَ القاعدة التي ذكرتَ أنه "مالا يتم الواجبُ إلا به فهو واجب" ذلك أنَّ الإنسان قاصر في حق نفسه, فاللهم دُلَّنا عليك ودُلَّنا على من يدلنا عليك آمين ولا تنسني من دعوة صالحة في ظهر الغيب.