الفتوى رقم #38272
التاريخ: 20/01/2013
المفتي: العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
هل كفر السلف الفرق الاسلامية
التصنيف:
العقيدة والمذاهب الفكرية
السؤال
السلام عليكم فضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي . اسأل الله لك دوام الصحة والعافية و نفعنا الله بعلمكم ذكرت في حلقة (الفرق الاسلامية) في برنامج( مع البوطي في قضايا الساعة ) أن السلف لم يكفر ايا من الفرق الاسلامية ولكن نقرأ في بعض الكتب وعلى المواقع الالكترونية كلاما مخالفا لما ذكرت فضيلتكم ويستدلون على ذلك بأقوال للسلف (فما رد فضيلتكم على هذا الكلام) ومن هذه الاقوال : الإمام مالك : قال مالك : الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس لهم اسم أو قال : نصيب في الإسلام . السنة للخلال ( 2 / 557). وجاء في الصارم المسلول أيضا؛ قال الإمام مالك؛(من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قُتل، ومن سب أصحابه أدب). الإمام أحمد بن حنبل: روى الخلال عن أبي بكر المروذي قال : سألت أبا عبد الله عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة؟ قال : (ما أراه على الإسلام) . البخاري : قال رحمه الله : ( ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي ، أم صليت خلف اليهود والنصارى ولا يسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم ). خلق أفعال العباد ص 125 . ابن حزم الظاهري: قال ابن حزم رحمه الله عن الرافضة عندما ناظر النصارى وأحضروا له كتب الرافضة للرد عليه: ( وأما قولهم ( يعني النصارى ) في دعوى الروافض تبديل القرآن فإن الروافض ليسوا من المسلمين ، إنما هي فرقة حدث أولها بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة .. وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر . (الفصل في الملل والنحل ( 2 / 213) . وقال : ولا خلاف بين أحد من الفرق المنتمية إلى المسلمين من أهل السنة ، والمعتزلة والخوارج والمرجئة والزيدية في وجوب الأخذ بما في القرآن وأنه المتلو عندنا .. وإنما خالف في ذلك قوم من غلاة الروافض وهم كفار بذلك مشركون عند جميع أهل الإسلام وليس كلامنا مع هؤلاء وإنما كلامنا مع أهل ملتنا ) . الإحكام لإبن حزم ( 1 / 96). أبو حامد الغزالي : قال : ( ولأجل قصور فهم الروافض عنه ارتكبوا البداء ونقلوا عن علي رضي الله عنه أنه كان لا يخبر عن الغيب مخافة أن يبدو له تعالى فيه فيغيره، و حكوا عن جعفر بن محمد أنه قال : ما بدا لله شيء كما بدا له إسماعيل أي في أمره بذبحه .. وهذا هو الكفر الصريح ونسبة الإله تعالى إلى الجهل والتغيير ) . المستصفى للغزالي ( 1 / 110 ). القاضي عياض : قال رحمه الله : ( نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم إن الأئمة أفضل من الأنبياء). وقال : (وكذلك نكفر من أنكر القرآن أو حرفاً منه أو غير شيئاً منه أو زاد فيه كفعل الباطنية والإسماعيلية) . الفريابي : روى الخلال قال : ( أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني ، قال : حدثنا موسى بن هارون بن زياد قال : سمعت الفريابي ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر ، قال : كافر ، قال : فيصلى عليه؟ قال : لا ، وسألته كيف يصنع به وهو يقول لا إله إلا الله ، قال : لا تمسوه بأيديكم ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته ) . السنة للخلال ( 2 / 566 ) . العلامة ابن خلدون: قال رحمه الله : ( و اجتمعت الأمة على تكفير الإمامية ، لأنهم يعتقدون تضليل الصحابة وينكرون إجماعهم وينسبونهم إلى ما لا يليق بهم ) . الأنساب ( 6 / 341) .
الجواب
عندما نقول إن السلف الصالح لم يكفروا أياً من الفرق الإسلامية، فمعنى ذلك بالبداهة التي يعرفها كل عاقل أنهم لم يقولوا بأن الشيعة كفار أو الخوارج كفار، والمعتزلة كفار .. إلخ وهذا ثابت مقرر في سائر المصادر المتخصصة. أما الأفراد أو الفئات الذين غَلَوْ فخالفوا النقاط المشتركة في مذهبهم، كالشيعة الذين تطرفوا فقالوا بألوهية بعض أئمتهم فقد كفروا بذلك بل إن الشيعة تبرؤوا منهم وعاقبوهم عقاب المرتدين كما يقول ابن خلدون - مقدمة ابن خلدون 96 طبعة بولاق - وليس صحيحاً أن ابن خلدون ناقض نفسه بهذا الكلام فقال: "اجتمعت الأمة على تكفير الإمامية" ولو قال ذلك - وحاشاه - لكان كاذباً على السلف الذين لم يقل أحد منهم بتكفير الشيعة من حيث هي. إذن فتكفير المتطرفين من الشيعة لا يتعارض مع قولنا بأن السلف لم يكفروا الشيعة. كذلك الذي يشتم رسول الله، يكفر ويرتدّ عن الملة بذلك ولو كان أشعرياً أو ماتريدياً أي من أهل السنة والجماعة. وتكفيرنا له لا يستلزم القول بتكفير الأشاعرة أو الماتريدية .. وكلام ابن حزم من تكفيره للرافضة إنما هو عن فئة تطرفت وغلت فزادت في القرآن واستبدلت ببعض كلماته، مما حمل الإمامية وهم الرافضة على تكفيرهم والحكم عليهم بالردة كما يقول ابن خلدون. وقد تحدث ابن حزم عن الشيعة الإمامية كفرقة وعقائدهم فلم يكفرهم .. والعجب أنك بنفسك نقلت عن ابن حزم قوله "وإنما خالف في ذلك قوم من غلاة الروافضة وهم كفار بذلك مشركون" ونحن لا ننكر قول ابن حزم هذا، ولكن تكفير غلاة الروافضة لا يستلزم تكفير الرافضة أو الشيعة .. هذا وتعلم أننا نتحدث عن موقف السلف لا من بعدهم، من الفرق الإسلامية والمهم أن الحكم على الفرق الإسلامية من حيث هي شيء. والحكم على الأفراد أو الفئات الذين تطرفوا فخالفوا المتفق عليه في مذهبهم شيء آخر. وهذا لا يستلزم ذاك. وكل عاقل بعلم هذا.
ثم مالي أراك تبحث جاهداً عما يبرر لك تكفير الأمة بفئاتها وفرقها، كشأن من يبحث في الصخور أو بين الأطلال عن كنز له ثمين كان قد أفتقده!