مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3486

التاريخ: 26/02/2021
المفتي: الشيخ محمد الفحام

سؤال من معلمة: كيف أتعامل مع إساءة الطلاب

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤالي لحضرة الشيخ محمد الفحام.... أعمل مدرسة وموجهة في ثانوية شرعية فكيف أتعامل مع إساءات الطالبات هل علي أن أتبع أسلوباً صارماً وإلا فالإساءة تتكرر أم علي أن أتحلى بالصبر والحلم.... أرجو توجيهكم فعملنا دعوي بالدرجة الأولى لكننا نعاني من تجاوز الحدود عند بعض الجيل تجاه معلميهم.... جزاكم الله خيراً 

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته أختي الكريمة! لا شك أنَّ التَّعاملَ مع جيلِ العمر المذكور مِنَ الحساسية بمكان، والعِلَّةُ في ذلك أنَّه مُرْتَبِطٌ بِسِنِّ المراهَقَةِ المترجِمِ لِرُؤْيَةِ صاحبِهِ نفسَه على الكمالِ صورةً وجمالاً وكمالاً، والمشكلة أنَّ هذا السَّرابَ الموهومَ مرهونٌ بِعَدَدٍ من السنوات أقصاها سِنُّ الثامنة عشر، وعليه؛ فالتعامُلُ مع هذا النَّوعِ يحتاجُ إلى حِكْمَةٍ وحَزْمٍ في آنٍ واحدٍ، أما الحكمة؛ فعلى تعريفِها المعلومِ هي: [وضعُ الشَّيءِ في مَحَلِّهِ]، وهذا ما يحتاجُهُ الدعاةُ في زمانِنا هذا الْمُعَقَّد، وأما الحزمُ فهو عَدمُ التنازُلِ عن الحَقِّ على ميزانِ تلك الحِكمةِ أدناها السكوتُ بتَجاهُلِ العارف عَبْرَ التَّنْسِيقِ مع الْمُشْرِفَةِ العامَّة كالمديرة، أو الموجِّهة وذلك بلَفْتِ النَّظَر إلى تلك الإساءة سِرّاً، ثم يُضافُ إلى ذلك تَحْفيزُ الهِمَمِ عَبْرَ العِناية بالْمُسْتقيمةِ مِنْهُنَّ لا سيما الخَلوقَة التي تُجِلُّ مُعلِّماتِها وتَعْتَرِفُ بفضلِهِنَّ وتَتَأَدَّبُ في حَضْرَتِهِنَّ، فلعلَّ ذلك يؤثِّرُ بِشَكْلٍ أو بآخَر، وليس شرطاً التأثيرَ السريع، فقد تَتَحامَقُ الْمُسيئةُ ابتداءً، ثم تَنْدَمُ في الخَفاءِ انتهاءً كلُّ ذلك بعنصر عدم الردِّ والقدرة على التَّجاهُلِ مِنْ جهة، ورؤيةِ سَبْقِ غيرِها مِنَ المحمودِ فِعالُهنَّ مِنْ جهةٍ أخرى، ذلك أنَّ التَّعَلُّقَ بالتَّفَوُّقِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ حافز لدى الجميعِ ذلك أنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمور ويكرَهُ سفسافَها كما ورد في الحديث، ومعلوم أنَّ محبوبَ اللهِ تعالى مِنْ أَيْسَرِ موصولٍ للعبدِ إلى الْمُبْتَغَى وذلك لعلاقتِهِ بلطائفِ الرُّوح، فربما يَحصُلُ التنافس الشريف الذي هو المراد ما مَهرُهُ حُسنُ الخُلُقِ الْمُصطنَع ابتداءً، الذي لا بد وأنْ يتأصَّل انتهاءً، فيُدْخِلُ صاحبه ولو بعد حين فيما قالَهُ بعضُهم [طَلَبْنا العِلْمَ لِغَيْرِ اللهِ فأَبى أنْ لا يكونَ إلا لله

أقول: ولَعلَّها هنا تَتَوَجَّهُ إليكِ بالسُّؤالِ عن الْمُتَفَوِّقاتِ وعِلَّةِ اهتمامِكِ بِهِنَّ، وهنا تكمُن فرصة الهداية المنهجية بالقول: إنَّ بابَ اللهِ تعالى مَفْتوحٌ بأنَّ الأفضلية لِمَنِ اتَّقَى اللهَ وحَسُنَ خُلُقُهُ فهو سبحانه الكريمُ الْمُكْرِمُ، بل والأَكرمُ عنده عزَّ وجلَّ كما في بيانِه الكريم: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وكلامُ النَّبيِّ الأكرمِ صلى الله عليه وسلم صريحٌ في هذا المقام لَمَّا أشارَ إلى ما يُدخِلُ الجنَّةَ بقوله: (تقوى الله وحسن الخلق)

وهنا لابد من الإشارة إلى أنَّ حالَ التَّقِيِّ لابد وأنْ يَسْرِيَ في غيرِهِ ما دامَ صادِقاً مع ربِّهِ لا سيما الداعية، ذلك أنَّه صاحبُ رسالةٍ استؤمِنَ على تَبْليغِها وأمانةٍ أُمِرَ بأدائها في نظامٍ نبويٍّ عِرفاني وهذا يقتَضِينا أنْ نُقَوِّيَ صِلَتَنا الخَفِيَّةَ مع اللهِ تعالى، فالزَّادِ الذي تُبْطِنُهُ في الغَيْبةِ تُنْفِقُ منه في الحُضور مِنْ هنا لَمَّا وقَفَ الربانيون في محرابِ بيانِ اللهِ تعالى مُتَدَّبِّرين: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) فَهِمُوا أنَّ ما يَتَبَضَّعُه العابِدُ في مِحْرابِ العُبوديَّةِ مِنْ أنوارٍ ليلاً يُنْفِقُ منها على أحبابِهِ في النَّهار، وذلك أعلى أنواعِ الرِّزقِ المثمر، وهو لونٌ مِنْ ألوانِ استعانةِ العبدِ بربِّهِ لا سيما في تربيةِ جيلٍ يَتَخَبَّطُ في صَخَبِ تناقُضاتِ الحياةِ حياةِ العَوْلَمَةِ التي تُغَشِّي العقولَ، وتُقْلِقُ النُّفوسَ، وتَحْجُبُ بالرَّانِ القلوب، وأنا لا أَشُكُّ في صعوبَةِ الْمَهَمَّةِ لكنَّها يسيرة على الْمُسْتَعين بالله الْمُتَوَجِّهِ بالنية الخالِصَةِ إليه الْمُتَحَقِّق بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رجُلاً واحِداً خَيرٌ لكَ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ)

أيَّتُها الفاضِلَةُ! احْرِصِي على كَثْرَةِ الدعاء والرَّجاءِ إلى ربِّ السماء أنْ يهدِيَ بكِ عبادَهُ وأنْ يَجْعَلَكِ مَدْخلاً مِنْ مَداخِلِ السُّرورِ به سبحانه فَمَا أَحْلَى وأَسْعَدَ أنْ يَرى الناسُ فيكِ مَكارِمَ النُّبُوَّةِ الهادية التي رَدَّتِ الشَّاردِين، وهَدَتِ الضَّالِّين، وجَعَلَتْ مِنْ فِرارِهِمْ مِنَ الدِّينِ وأهلِهِ، فِراراً إلى اللهِ تعالى وإلى أهلِ الله، فحاجةُ الداعِيَةِ إلى صفاء الحال ونَقاءِ الْمَقالِ كحاجةِ الجسدِ إلى الرُّوحِ لأنَّ بها حياة الفطرة السَّليمة. وخُذِي هذه الهديَّةَ النَّبَوِيَّةَ توجيهاً من خيرِ البَرِيَّة؛ قيل لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ جلسائنا خير؟ فقال: (مَنْ ذَكَّركُمُ اللهَ رؤيتُه، وزادَ في عِلْمِكُمْ مَنْطِقُه، وذَكَّرَكُمْ بالآخرةِ عملُه) فَقَدَّمَ الحالَ على القال، أجل! الحال الْمُرْتَبِط بِحُسْنِ الصِّلَةِ بِذِي الجَلالِ، ففي صلاحِ الحال سلامةُ الأقوال لأنَّ صاحبَهُ يَنْطِقُ بنورِ اللهِ تعالى، وفي سلامةِ الأقوال نزاهةُ الأعمال مِنْ باطِنِ الآثام وما مِنْ إِنْسانٍ صَلَحَ حالُه مع اللهِ تعالى إلا وصَلَحَ النَّاسُ بصُحْبَتِهِ وفي الحديث: (أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله)

اللهم اجعلنا هادين مَهْدِيِّين غيرَ ضالِّين ولا مُضِلِّين واهدنا واهدِ بنا يارب العالمين.

مع الرجاء بصالح الدعاء.