مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3484

التاريخ: 20/02/2021
المفتي: الشيخ محمد الفحام

يظنون بي خيراً ويطلبون الدعاء .. هل أرد طلبهم؟

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انهم يظنون بي الخير ويقولون ادعوا لي ، وعندما ادعي تنتابني الخشيه والبكاء وانا اخشى على نفسي من الرياء هل ارفض طلبهم عندما يقولون لي ادعوا لي ؟! جزاكم الله خيرا 

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛ أخي الكريم أنْ يَظُنَّ الناس بِكَ خيراً هو مِنْ عافيةِ الإيمان ذلك أنَّ حُسْنَ الظَنِّ مِنَ الإيمان وهو أمر مرتَبِطٌ بسلامة القلب، وأنْ تَظُنَّ التقصير مِنْ نَفْسِكَ كذلك الأَمْر، ذلك أنَّ رؤيةَ العملِ صادراً مِنَ النَّفسِ دليلٌ على أنَّها أمَّارةٌ بالسُّوء، وأنَّ التفاعُلَ مع إِصْدارِ العملِ بقصْدِ استثمار رؤيةِ الناسِ صورةً سليمةً في العبد مِنْ أخْطرِ خفايا باطنِ الإثم بمعنى أنَّ العبدَ إذا طُلِبَ منه شيءٌ مّا فَتَذَرَّعَ بأنَّه لا يَصْلُحُ هكذا يقولُها للناس فهو لونٌ مِن ألوانِ التواضع الْمُفْتَعَلِ المترجَمِ عند أهلِ اللهِ تعالى بالتَّكبُّر، ذلك أنَّه تواضُعٌ على الملأ وقد قال الرَّبانِيُّون: مَنْ رأى مِنْ نَفْسِهِ التواضُعَ فهو الْمُسْتَكْبِر.

وعليه؛ فأبداً لا مكان للتواضع في رحاب هذا النوع مِنَ المظاهر، بلِ الأَصلُ أنْ يَتَحَقَّقَ العبد بمقام عبوديَّته لمولاه الْمُعينِ الذي رَهَنَ عونَهُ لِعِبْدِهِ بافْتِقاره الدائمِ إليه، وهنا يَكْمُنُ القول: بأنَّ المطلب مَقدورٌ والتَيسيرُ بِيَدِ الغفور، والمراقبةُ مِنَ المطلوبِ منه أنْ لا يَرى مِنْ نَفْسِه أهليةً ولا حالاً ولا مَقاماً ولا إِمكاناً، فإنْ طُلِبَ منه _فَرَضاً_ الدعاءُ تَحَقَّقَ بأنَّه أدنى الحاضِرين وأنَّه _وإنْ دعا_ فهو مَسْتُورٌ بِبَرَكَتهم، فإنِ اسْتَجابَ اللهُ تعالى لدعائه، فذلك بسرِّ من قال آمين لأنَّ (آمين) جملةٌ دعائيةٌ كامِلَةٌ فهي اسمُ فعلِ أَمْر بمعنى ياربِ اسْتَجِبْ، أي: أنه ليس وحده الداعي، بل كل من يجيب بآمين فإذا أَدْرَكَ ذلك المعنى وتحقَّقَ بجوهرِهِ عقيدةً ومَنْهجاً، وشَهِدَ مِنْ خلالِهِ أنَّ الفاعِلَ والْمُقدِّرَ إنَّما هو اللهُ تعالى لم يَضُرَّهُ عَمَلٌ ليَقِينِهِ أنَّه مَظْهَرٌ لجوهَرِ الإمداد الإلهي.

ثم إذا عرض عليه عارضُ النَّفس أثناءَ العمَلِ بين الناس _كدعاءٍ أو كلامٍ منْ خُطْبَةٍ أو دَرْسٍ_ اختَصَرَهُ على قَدْرِ الواجِبِ وخالفَها _أي: النفس_ فيما تبغي وتهوى لاسيما الدعاء، فعليه أن يختم بقوله وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

والفيصلُ في الأَمْر هو أنْ لا نَرفُضَ طلبَ الطالبِ لئلا يَتَحَوَّلَ إلى قَصْدٍ غيرِ حميد، أو يَدْفَعَ الغير إلى سوءِ الظنِ، وأنْ لا نسترسل في المطلب قَطْعاً لِمَطامِعِ النَّفْسِ.

كلمةٌ أخيرةٌ كهمسةِ لعلها تُلامِسُ سمعَ بصيرتِك إن شاء الله تعالى: احْرِصْ على دوامِ السُّؤالِ عن طرائِقِ السُّلوكِ والتزكيةِ لِلنَّفْسِ مِنْ قِبَلِ الرَّبانيين، واحملْ أوامِرَهُمْ على مَحْمَلِ الجِدِّ ولا تَتَقاعَسْ في تَطْبيقِ ما يُوَجِّهونَكَ إليه لأنَّهم يَنْظُرون بِنُورِ اللهِ تعالى ويَنْصَحُون لوجهه ويُحبُّون الخيرَ لغيرِهم.    

وفقك الله تعالى ورعاكَ وأيَّدَكَ ببصيرةٍ نافِذَةٍ تُعِينُكَ على جودَةِ القَوْلِ وسلامَةِ القَصْدِ وصفاءِ العملِ ولا تَنْسَنِي مِنْ صالحِ دعائك.